” في مدن الغبار ” على مائدة النقاش والنقد
أقامت دار العين للنشر، حفل توقيع ومناقشة لرواية “في مدن الغبار”، للكاتبة أمل رضوان، شارك فيها الروائية والناقدة د. لنا عبد الرحمن والكاتب أسامة الرحيمي، وأدارت الندوة د. فاطمة البودي، مدير عام دار العين، والكاتبة أمل رضوان صدر لها مجموعتان قصصيتان هما “البيت الأولاني”، وحازت عنها جائزة ساويرس عام 2015، و”شوكولاته سودا” التي وردت في القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة عام 2017 وهي حاصلة على ليسانس أدب انجليزي وماجستير في الترجمة الفورية، وتعمل حاليًا مترجمة فورية بالأمم المتحدة.
يقول الناشر في تقديم الرواية: “تستكشف “في مدن الغبار” للكاتبة أمل رضوان مساحات خفية عميقة ومراوغة في تجارب إنسانية تجسد بعض المآسي في واقعنا العربي المرتبط بـ”المخيمات”، وبمدن الغبار التي أتت منها شخصيات عديدة مثقلة الأبدان والأرواح بالآثار الناهشة للحروب والتهجير والشتات العربي الجديد وإن ظلت تراودها أحلام موءودة بغد يتناءى.
ويرى الناقد د.حسين حمودة أن هذه الرواية تتحرك بحرية بين أماكن شتى وأزمنة متعددة وتصوغ شهادة إبداعية مسكونة بالجمال وبالأسى معًا عبر عالم نعيشه الآن، وربما سوف نعيشه لزمن قادم.. وهي شهادة لا تقف فحسب عند حدود الرصد، أو التسجيل لما يستحق وإنما تتجاوزه إلى طرح أسئلة جوهرية عما صاغ المشهد المأسوي الممتد، وعن المآلات التي يمكن أن يصل إليها.
ويضيف: “تنهض هذه الرواية على مغامرة فنية من نوع خاص، تزاوج مزاوجة عصية، بين ما هو شخصي وذاتي، من جهة، وما هو جماعي وعام، من جهة أخرى.. وتصوغ عالمها المترامي هذا بقدر مشهود من الجمال الذي يصاحب سردها المتعدد المشرع على أسئلة تطال الروح والأجساد السليمة والمشوهة والعلاقات الإنسانية والحنين إلى مدن لا يخنقها الغبار، وإلى أرض ثابتة لا تميد تحت الأقدام”.
في البداية تحدثت د. لنا عبد الرحمن فقالت إن في عمل أمل رضوان الروائي الأول “في مدن الغبار” هناك صلة كاشفة بين الإنسان والمكان، ومدن يحكي عنها أبطالها، ويكشفون أثرهم عليها وأثرها عليهم.. وهناك أكثر من ثيمة في النص الروائي المنقسم إلى عالمين.. عالم الساردة وألما والدكتور فولك، أما العالم الثاني فهو عالم مخيم اللاجئين والذي ينفتح فيه النص على شخصية “أم مازن” وحفيدتها “غزل”، في الفصل الذي يحمل عنوان “طحين ومدفأة وغشاء بكارة”، وهو تفجير للحدث السردي من بداية الرواية.
وأضافت : “رغم قدوم الكاتبة من عالم القصة القصيرة،إلا أنها استخدمت تقنيات المسرح والقصة القصيرة معا،حيث تبدأ الساردة في تقديم الحدث وكأنها شخصية مسرحية،على خشبة المسرح تواجه الجمهور وتحكي له في تقاطع والتقاء بطريقة الفلاش باك وكأنها تتحدث مع نفسها، من خلال استعراض ماضيها وتاريخها، كما أنها استفادت من تقنية القصة القصيرة على مستوي عنونة الفصول القصيرة”.
وأشارت عبد الرحمن إلى تعدد الأصوات الساردة في الرواية ، فهناك الساردة التي تحكي عن أربعة شخصيات بلا أسماء، إنما منحتهم رموزًا وفق ملامحهن الشكلية والنفسية؛ فهناك العنزة، والمهرة، والناقة، والمرأة المحجبة، وإن نجحت من خلال هذه الشخصيات الأربع أن تنفتح على عدة موضوعات تتعلق بالهوية والذات والوطن.
كما أكدت أن السرد في الرواية يتحول إلي مفهوم الرحلة، وتتعرض لقضية الهوية، من خلال شخصيتي “ألما” الفلسطينية التي تخفي هويتها وتعلن بأنها سوريا حيث نشأت وتربت، وبين الدكتور “فولك” الذي خلع جنسيته وكرس نفسه للبحث عن ضحايا الحروب والتشريد،فقد كان لديه هذا الاختيار، أي خلع جنسيته بالعكس من ألما التي لم تكن تملك مثل هذا الخيار، لذا يبدو الخلل النفسي في شخصيتها حقيقي ومعاش وملموس كثيرًا.
والمقارنة حاضرة بقوة بين موقف ألما من هويتها الفلسطينية وموقف الدكتور فولك الذي اختار طواعية العيش في أماكن الخطر، ترفض ألما حمل الهوية الفلسطينة بالإكراه، وتختار العودة إلى انتمائها عن وعي تام، بينما يختار د. فولك الانتماء للضعفاء بغض النظر عن جنسياتهم، ربما لأنه منذ البداية لم يعش غربة فقد الهوية والشتات، وكان شتاته طوعيًّا.
هناك شخصيات أخرى تشغل مساحة من السرد، أربع نساء تلتقي بهن البطلة الساردة في مقهى “سالوته”، لا تمنحهن أسماء بل ألقاب مناسبة لهن، تسرد كل امرأة منهن قصتها التي تشتبك مع حكايات الساردة ورؤيتها للحياة، للحد الذي تتمنى معه أن تمتلك صفة من كل واحدة منهن تقول : ” تمنيت أن أكونهن، أو أن أكون جزءا من كل واحدة فيهن، منطق الناقة، وإخلاص العنزة لمن تحب، ورضا المحجبة بحياتها، وجموح المهرة حتى مع من يصغرها سنًّا”.
وقالت د. لنا عبد الرحمن: “تنقسم الرواية إلى واحد وعشرين فصلًا قصيرًا، بعناوين فرعية، ويتناوب السرد عدة شخوص، فيما عدا الدكتور فولك الذي لا يحكي قصته بل نعرف ماضيه من خلال ما يتم سرده عنه، وأيضًا من اختياراته ومواقفه الحياتية، بدت بعض الفصول زائدة كما في فصل ” الإنديجو” و ” حق النشوق” الذي كان من الممكن تكثيفه، ويمكن القول أيضًا أن الذاكرة بما تحتويه من سنوات الطفولة والصبا والمواقف الحياتية المؤثرة، تشغل حيزًا في السرد، مع نقلات خاطفة من اللحظة الآنية إلى الذاكرة” .
ومن جانبه استهل الكاتب أسامة الرحيمي قراءته للرواية بالجملة الختامية للنص، والتي قالت فيها الكاتبة “ليس هناك من ربح الرهان!”، وقال بإنها جملة موحية ومحيرة لأنه في الواقع لم يربح أحد الرهان!، إلا أعداء هذه الأمة لأنهم راكموا مخيمات جديدة إلى جانب القديمة وزادوا مآسينا تعاسة وآلماً”.
وأشاد الرحيمى ببراعة الكاتبة كونها فتحت بذكاء الذاتي على العام، والشخصي على السياسي، والسري على العلني فى عملها الشجي المُشبع بالأسى.. لكنها بيقظة لم تتركها تصل إلى مرحلة النواح ولا التعصب السلبى، ولا الإحساس التام بالضياع، رغم إلحاح الآلام بغير انقطاع.
ورأى أن الكاتبة ضاعفت شعور كل المعنين بآلامنا السياسية والإنسانية، وجددت الأسئلة القديمة التى ما زالت تنزف دون أن يملك أحد إجابة شافية أو مريحة على أقل تقدير، وهذا لا يعنى أن العمل الإبداعى هنا يزيد مرارة الإحباط بل يؤجج ويؤكد وعينا بأن نكبتنا تكمن فى السكوت على كل هذه المظالم وكل هؤلاء الظلمة”.
وفى تعليقها على ما أثُير بالندوة حول روايتها واستخدامها بعض الكلمات الجريئة، قالت أمل رضوان: “إننا نشهد محاولات تسعى إلى “جندرة” الأدب أو تجنيس الأدب، فهناك من يرى أن هناك بعض الموضوعات بالضرورة حكرًا على الكاتب دون الكاتبة، وبالتالي إذا تحدثت المرأة بهذه اللغة انقسم الموقف إلى جزئين، إما الإدانة أو الاندهاش أو التهليل والفرحة على أساس أن المرأة قد اخترقت التابوه”.
وأكدت “إن كلا الموقفين خاطئان في نهاية الأمر، فالكتابة هى الكتابة بغض النظر عن جنس الكاتب، لا أرى أن الأدب يتم تقيمه بمعيار أخلاقى أو دينى أو عاقائدى بل يقُيم بمعيار أدبي، بمعنى هل الكتابة الصريحة لها سياق أم لا هل جملت النص وأضافت إليه أم انتقصت منه؟ أظن أن هذا هو الأهم بالنسبة لأي نص إبداعي”.
حازم خالد