رواية ” قيد الدرس ” الهوية و تقاطعات السرد والحكي
أقام أتيلية الاسكندرية “جماعة الفنانين والكتاب ” ندوة أدبية لمناقشة رواية ” قيد الدرس ” للروائية لنا عبد الرحمن ، قدم للندوة الشاعر جابر بسيوني وشارك في النقاش الناقد شوقي بدر يوسف والناقد محمد عطية محمود ، وذلك بحضور الكاتبة لنا عبد الرحمن في البداية تحدث جابر بسيوني عن ” الرواية والروائية ” قائلا: رواية ” قيد الدرس” واحدة من مشروع لنا عبد الرحمن الروائي ، حيث تتناول دائما في رواياتها موضوعات شائكة تهم بالمقام الأول الانسان في أي مكان ، مثل بحثه عن ذاته أو هويته أو جذوره ، ومن يتتبع مسيرة الكاتبة السردية يلاحظ هذه الأفكار والمفردات ، والرواية التي بين أيدينا تناقش موضوع الهوية والانسان وان كانت احداثها وشخوصها وأماكنها تدور في لبنان ، إلا أنها تعني الانسان في أي مكان ، لأن غياب الهوية تجعل الانسان مهمشاوغريبا في وطنه الذي ولد وعاش فيه ، والكاتبة لنا عبد الرحمن ولدت في بيروت وتعيش في القاهرة منذ سنوات ، ومعروف عنها مشاركتها وكتاباتها النقدية الجادة سواء في الصحف والمجلات أو في الكتب التي أصدرتها وتعنى بالنقد السردي التطبيقي .
الهوية المفقودة
الناقد شوقي بدر يوسف أعد دراسة عن رواية ” قيد الدرس ” وأزمة الهوية ، وقال أنه سيختار مقتطفات من الدراسة ، تخص فكرة عالم الكاتبة والروائي ، حتى لا يطيل على الجمهور فقال : تعتبر تجربة الكاتبة لنا عبد الرحمن فى روايتها “قيد الدرس” تجربة مهمة لإعادة ترتيب الذاكرة الجمعية بما حدث فى تاريخ الحرب الأهلية فى لبنان وبما يحدث الآن على الأرض العربية فى سوريا والعراق واليمن وليبيا من حروب وأهوال بزعم الارتباط بالربيع العربى، وهى بعيدة كل البعد عن هذه التسمية الربيعية المزعومة.
وربما كانت رواية الكاتبة “ثلج القاهرة” اهتمت بموتيفة البحث عن الجسد فى الموت، والتقمص والتوحد فى الصوره التى اهتم بها الفلاسفة، وبعض المتصوفة، كانت هذه المردات لها حضور أيضا بصورة أو بأخرى فى رواية “قيد الدرس” من خلال البحث عن الهوية المفقودة بدلا من البحث عن جسد ومدن جديدة كما جاء فى “ثلج القاهرة” .
وأضاف شوقي بدر: الكاتبة مولعة فى سردياتها بالانتقال عبر الزمان والمكان، وهو ما احتفت بها فى معظم سردياتها، “حدائق السراب” “تلامس” “أغنية لمارغريت”، “ثلج القاهرة”، “قيد الدرس” وقد تميز عالمها الروائى بهذه السمات الخصبة فى التعبير عن روح المقاومة وروح الحرب “بخلخلة زمن السرد، وتقديم عالم متخيل بوحى من التفكيك فى قوامه الروائى، وشخصيات ملتبسة تعانى تمزقها وغربتها، وتعكس هوية اجتماعية مسكونة بهواجس الموت والدمار، لذا كانت المرأة فى سرديات الكاتبة هى المحور الرئيسى، كما كان الإهداء التى صدرت به الكاتبة روايتها ينسحب على تلك التيمة والشخصيات العربية من خلال أسرة الفدائى باسم عبدالله كى تعطيهم القوة والإرادة لمواجهة الصعاب مهما كانت الأحداث والمحكات والصدمات الذين تعرضوا لها فى وقائع أحداث هذا النص الفاتن من سرديات الكاتبة.
ونجد أن الأستهلال الأولى فى الفصل الأول بعنوان بيروت- 2012 وهو فصل قصير للغاية يعتبر مقدمة أولية للنص بأكمله يغطى شخصيتان رئيسيتان هما حسان عبد الله وشقيقته ليلى، فى هذه المقدمة الاستهلالية تقول الكاتبة مخاطبة حسان فنان الكاريكاتير وأحد الشخصيات المهمة “: من جديد، ها أنت تقف على حافة تحوّل آخر من تحولات حياتك الكثيرة، لكّن هذا التحّول يشبه انعطافا قسريا، عليك أن تحافظ فيه على كامل توازنك”. بهذه الكلمات المعبرة عن حياة هذه الشخصية تبرز الكاتبة بداية التعامل مع هذه الشخصيات وبقية الشخصيات المصاحبة لها فى عائلة عبد الله وكأننا هنا نستحضر روح فنان الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى الذى كانت أعماله الفنية تعتبر سلاحا قويا من أسلحة المقاومة ضد العدو الأسرائيلى.
أما بقية استهلال الفصل الأول فكان يخص الأخت الشقيقة ليلى عبد الله والذى على جاء هيئة مونولوج داخلى على لسان الشخصية، استهلت به الكاتبة هذه المقدمة القصيرة تقول فيه ليلى “: جسدى متعب، أنام لساعات طويلة، قدماى ثقيلتان كأنى أجّر خلفى أكياسا من الرمل، أستيقظ مقيدة بإحساس من ظل لساعات يحصد منفردا حقلا من القمح، ينبغى علىّ ممارسة الحياة حتى آخر رمق، لن أستسلم، أريد العيش من أجل أشياء كثيرة حلوة لم أعرف قيمتها إلا فى وقت متأخر”.
وبدأت ليلى فى مخاطبة مرآتها التى نجت من الحرب والتى ترى فيها نفسها وكأنها قد بدأت تشبه أمها نجوى، وكانت هذه المناجاة الخاصة بشخصية ليلى تقول فيها “: أجلس على الصوفا الصغيرة فى سكون وعتمة، يخيل لى أن الأشباح غافية فى الزوايا، البيت هادئ؛ سكانه ما زالوا نياما؛ أفتح باب غرفة سامى، غافيا كملاك ذهبى بشعره الطويل الأشقر، استرق النظر فى وجهه البرئ، لا يبدو لى أنه أنهى سنواته الثلاثة عشر.. أسئلته عن الحياة تحزننى، لأنه مثلى بحث عن أب ولم يجده، وسيظل طوال حياته يتوق لمن يمنحه تلك العاطفة المنقوصة.”
بهذا الاستهلال الأولى للفصل الأول للرواية تبدأ الأحداث بالعودة إلى الاجتياح الذى قامت به إسرائيل للبنان عام 1982 وعانت منه جموع غفيرة من الفلسطينييين واللبنانيين فى الجنوب، وقد اختارت الكاتبة هذه العائلة لتبرز من خلالها أحداث كثيرة حدثت لكثير من العائلات التى عانت من هذا الاجتياح وكان لكل منهم حكايته الخاصة وروايته التى تحتاج إلى كاتب ليبرز مأساتها.
تقاطعات السرد والحكي
وتحدث الناقد محمد عطية محمود عن ” تقاطعات السرد والحكي ” قائلا : تعبر رواية “قيد الدرس” للروائية العربية ” لنا عبد الرحمن” برؤية سردية وخبرة كتابة عبرت بالكاتبة من خلال أربعة أعمال سردية سابقة أعطتها مصداقية وخبرة الكتابة الروائية واعتمادها حساسية متميزة في التقاط السردية التي تتناسب إلى حد بعيد مع الفكرة/ الموضوع الخارج من رحم الواقع إلى رحابة المتخيل وبالتضافر معه، إذ فيه دائما من جيناته المكونة..
وأضاف محمد عطية: في قيد الدرس ثمة تقاطع بين العناصر المكونة للحدث القصصي والتيمات الملازمة لها، من جهة، وتقنيات الكتابة السردية المتنوعة من جهة أخرى فنجد الكاتبة تتوجه بالسرد بضمير المتكلم الحميمي ثم تنتقل لتتكلم بلسان الحالة السردية بضمير المخاطب الموجه إلى الذات أو إلى الآخر، ثم تأتي بضمير الغائب لتعقد شبكة من العلاقات التي لا تنفصل عن الجو العام ولكنها تخلق مناخات نفسسية قادرة على بللورة الذات البشرية في أوج حالات ضعفها وقوتها والتحلمها مع سمات المكان الذي يأخذ هو الآخر سمات جمالية مغايرة قد تضعه كي يكون مركزا فاعلا في فضاء النص في موازاة نفسية ومادية مع مركزية الشخوص الفاعلة التي لها براءة التعامل مع كل عناصر المكان وتقاطعاتها مع الزمان بفرضياته التي تؤطر الحدث الروائي..
وأكد عطية أن تقاطع السرد والحكي، سلسلة مترابطة محكمة حرصت الكاتبة على عدم التخلي عن أي جزء منها لتعطينا متعة الرواية من خلال هذه التقاطعات في روايتها قيد الدرس، التي هي بالأساس رواية قضية إنسانية تلاحق الإنسان في كل بقعة من بقاع العالم وفي كل حضارة من الحضارات، ولا تلتزم السمة اللصيقة بالمكان المحدد فهي فقد تعدته إلى رحابة المفهوم، بتحويل اللغة الجميلة التي انتظمت العمل الروائي بمستوياتها إلى لغة حسية يتشارك فيه الهم الإنساني ويتعمق من أجل هوية الإنسان ذاته في المطلق بعيدا عن التقسيمات الجغرافية .
الاسكندرية : منال عبد العزيز