لنا عبد الرحمن تطرح سؤال الهوية في “قيد الدرس”

 

 

 

حول رواية ” قيد الدرس ” للكاتبة لنا عبد الرحمن عقدت ندوة بالمقهى الثقافي ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، ، بمشاركة الناقد شوقي بدر يوسف، والناقد د. محمد رفيع ، والكاتبة عزة سلطان، والناقد أحمد لطفي، وأدار الندوة د. عصام العدوي.

في البداية تحدث الناقد أحمد لطفي موضحا أن  الكاتبة تنسج  روايتها عبر خطوط سرد متقطعة، تسافر في الزمان وفي المكان، تبدأ بلحظة ما “2012” ثم ينقطع الخط السردي ليبدأ خط سردي جديد “رحلة الهرب من بيروت 1982″، وتتفرع عن هذا الخط خطوط أخرى تفتش عن جذور الأشياء والأشخاص والعلاقات، إلى أن تصل في النهاية إلى اللحظة التي بدأت منها الرواية في نهايتها، وهذه الدائرة المغلقة من السرد تحاول بها الكاتبة تأطير علاقة الشخصيات بربطها برابط أو ربما بهوية ظلوا يبحثون عنها طوال الوقت، أو أنها تحاول أن تضع هذا التاريخ الشخصي والسياسي لهذه الشخصيات داخل دائرة مغلقة لكي تظل “قيد الدرس” بالمعنى المعرفي. أما الراوي في الرواية فهو يتنقل بين ضمير الغائب “الراوي العليم” الذي يحيط بما وراء الأحداث، وشخصيتين من أبناء العائلة “حسان وليلى” الذان يرويان بعض التفاصيل من وجهة نظرهما بضمير المتكلم، لكننا نلحظ في سرد حسان أنه يأتي بصيغة المخاطب في موضعين محددين، وهما متباعدان على صفحات الرواية، ولكنهما متقاربتان جدا زمنيا على مستوى السرد، وهما اللحظتان الأحدث، الحاضرتان، اللتان تليان رحلته الطويلة في الحياة التي ظل يرويها بضمير المتكلم، وكأنه بعد تشكل وعيه قد انقسم لشخصين يحاوران بعضهما البعض، أو كأنه اكتشف أن هذا الحوار داخل الذات هو الوسيلة الأفضل لاكتشاف الذات والوعي بها، وكأن الكاتبة بهذا التنوع في الراوي تختبر أكثر من شكل من أشكال التعرف على الحقيقة.

الناقد شوقي بدر يوسف تناول الرواية قائلا :تعتبر الكاتبة الروائية لنا عبد الرحمن من الكاتبات اللبنانيات اللاتى احتفين بموتيفة البحث عن الهوية والمواطنة فى أعمالها السردية بدءا  بـرواية “حديقة السراب”، ثم “تلامس”، و”أغنية لمرغريت”، و”ثلج القاهرة” ثم أخيرا رواياتها موضوع هذه القراءة رواية “قيد الدرس” الذى جاءت لتضع النقاط على الحروف بشأن فقدان الهوية عند المواطن العربى من خلال هذا المصطلح الذى عانى منه كثير من المواطنين العرب إبان الحرب اللبنانية التى استمرت سنوات طويلة فقد فيها عدد كبير من المواطنين اللبنانيين حيواتهم وهويتهم، وقد انتخبت الكاتبة لتلك الموتيفة أسرة من الجنوب اللبنانى وضعتها فى مهب الريح كنموذج لما حدث للعديد من الأسر العربية إبان الحرب، وقد ارتبطت إحدى بنات هذه الأسرة بفدائى من الشريط الحدودى القائم بين فلسطين ولبنان من الحاملين لهذه الهوية الملتبسة التى يطلقون عليها “قيد الدرس” ومن ثم وضعت هذه الأسرة فى بؤرة الأحداث المأسوية التى مرت بها لبنان كلها كشريحة ونموذج لما حدث تقريبا لكل الأسر اللبنانية التى كانت تعيش هذه المأساة.

ولعل الكاتبة فى روايتها الأخيرة لا تستحضر الحرب وما يجرى فيها من تفاصيل مأسوية صادمة، وإنما تلقى الضوء على ما يحدث للشخصيات من خلال الحرب، فى حياتهم العادية وما تفعل بهم الحرب فى هذه الظروف الصعبة، من خلال هروبهم من عنفها ومآسيها وبحثهم عن ملاذ وأماكن جديدة يسكنون إليها بعيدا عن الدمار والأهوال والقتل والتشريد،  كما يبحثون فى نفس الوقت عن عمل يرتزقون منه فى هذه الظروف الصعبة. كما تلقى الضوء على العلاقات السائدة بين الشخصيات العائشة حياتها فى أماكنها الجديدة بعد الهروب من أهوال الحرب والتشريد.

الناقد د. محمد رفيع، رأى  أن الحرب اللبنانية، التي تدور حولها الرواية، تُعد جرحًا غائرًا في قلب كل عربي، وأضاف  أن رواية “قيد الدرس”، رواية الهوية، بمعناه الشمولي الواسع، التي تشمل كل عربي أيًا كان جنسيته، وانتمائه، موضحًا أن الكاتبة تنتمي إلى الجيل الإبداعي الثالث، كما يصنفه، فلم تنتهج نهج المبدعين الذي يحاكوا الأعمال السابقة لإبداعهم ويقلدوها؛ حيث تنتهج الكاتبة هي وقريناتها نهجًا مغايرًا، كاشف لإبداع النساء الحقيقي، يبعد فكرة المحاكاة و وتصفية الحسابات مع الرجل، فتبحث عن هويتها، وعن ما يميزها ، بشكل منفصل عن كونها رجل أو أنثى، فناقشت مسألة الهوية من منطلق دور النساء في الحفاظ على الهوية، فصوّرت السيدات اللبنانيات اللائي جلسن في بيوتهن لتربية أولادهن في حين أن الرجل ذهب إلى أرض المعركة والحرب، سلاحه هو مضمون حفاظه على الهوية.

الكاتبة عزة سلطان  اعتبرت أن الكاتبة لنا عبد الرحمن في ” قيد الدرس”  لنا عبد الرحمن بمصائر شخصياتها بحسم، تكتب عن كل شيء، اختياراتهم مصائرهم، حكاياتهم المسكوت عنها، تُحرك لغتها بين الضمائر المختلفة، فتتحرك فى تبديل الضمائر لكسر حِدة الملل.

تتحدث بضمير الراوي العليم لتكشف عن مشاعر مكبوتة، بل أنها تواصل سطوتها في تحديد مستقبل مشاعر الشخصيات، تلك السطوة التي تنزع حد  التسلط أحيانًا. وتتابع سلطان قائلة : ” تقدم تلك الرواية واجبة دسمة للقارئ الذي بحاجة لاحراز انجاز علي مستوي فعل القراءة، حيث يجد القارئ كل ما يحتاج له  فى هذا النص، بحيث لا يبذل جهد فى التفاعل مع النص، إذ يمكننا أن نقول أن هذا النص يداعب مشاعر القارئ الكسول، الذي يبحث عن وجهة ومتعة بقراءة لا يشارك فى التفاعل التام مع شخصياتها.

تحافظ الكاتبة طيلة الوقت علي خلطتها السردية، فهي تنتقل بين ادواتها بخفة وتمكن، فيما يُشبه ربة منزل تُعد وجبتها الأساسية باتقان شديد وبمكونات متوزانة للغاية، ومن ثم هي تقدم كل شيء. ”

في ختام الندوة تحدثت الكاتبة لنا عبد الرحمن عن مفهوم الهوية ككل قائلة : ” بأن الرواية لا تعالج فقط مفهوم الهوية من الجانب الذي يتعلق فقط بفئة من البشر الموجودين في لبنان الذين يحملون هوية تدعى ” قيد الدرس”، بقدر ما تعنى الرواية بطرح مفهوم الهوية ككل بشكل شمولي أكثر” وتابعت كلامها متوقفة عند هوية الفرد العربي التي تتعرض الآن بفعل الحروب، والانقسامات الدينية والطائفية  وموجات الارهاب للتشويه، خاصة بعد  النزوح والهجرات الهائلة التي حصلت إلى الغرب في السنوات الأخيرة، نتيجة الدمار والتهجير، لذا سيظل السؤال عما سيبقى من هوية العربي المهاجر في الجيل الثاني أو الثالث من الأبناء، لا شك أن مفهوم الهوية ككل يتعرض للانزياح عن مكانته وهذا لا يتم بفعل إرادي.

  إنجي جلال  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى