مناقشة رواية ” قيد الدرس ” في منتدى إطلالة بمكتبة الاسكندرية
استضاف منتدى إطلالة بمكتبة الاسكندرية الكاتبة لنا عبد الرحمن لمناقشة روايتها ” قيد الدرس”، حيث أدارت الكاتبة والشاعرة أماني خليل اللقاء بمشاركة الناقد محمد عمر، والقاص مصطفى زكي.
في كلمتها عن “قيد الدرس” تناولت أماني خليل فكرة دائرية السرد في الرواية التي تبدأ في بيروت 2012 ثم تمضي في سرد فلاش باك لحياة الأبطال رجوعا إلى عام 1982 وبين التاريخين ثلاثين عامًا من المعاناة. لتكون ” قيد الدرس ” حكاية أسرة باسم عبدالله المقاتل الذي قضيته هي بندقيته, تسحره الحرب من أجل تحرير فلسطين وجنوب لبنان، هويته فقط هي بندقيته لأن باسم ينحدر من القرى السبع وهي القرى الواقعة علي الحدود اللبنانية الفلسطينية, أما نجوى زوجته الكردية التي ترحّلت بأولادها من وداي أبو جميّل في بيروت إلي بلدة “شتورة” في سهل البقاع فإن لديها معاناة أخرى تتعلق بالحياة نفسها، بالحصول على أبسط مقومات العيش للاستمرار. تهرب نجوى مع امها سعاد المرأة القوية العفية التي تحرك الأحداث والتي تكبرها بسبعة عشرة عاما فقط بسيارة من بيروت الى شتورة, وهي تخاف انكشاف هويتها, تخاف القتل لو عرف جنود نقاط التفتيش الكتائبيين هويتها وأنها زوجة لفدائي. تستقر الأسرة في دير السرو وتنجب نجوى طفلها الرابع ” حسن. يمثل أبناء نجوى افكاراً واتجاهات مختلفة في القناعات، منهم المتطرف،الحالم, المكافحة، والمحبة للحياة. أما قرية دير السرو فتمثل الموزاييك الطوائفي والعرقي الذي يميز لبنان .
تسير الحياة بالأسرة التي تلقي بكل ولد من أولاد نجوى في طريق مختلف ليبلعهم الشتات والإغتراب النفسي والبحث عن الذات في لبنان وخارجها.. ليلي الابنة الكبيرة التي تبحث عن الحب في قصص حب وزواجين فاشلين,ياسمين الأبنة الصغرى تبحث عن ذاتها فهي تحب الحياة والرقص والفن, حسان الذي يتناوب السرد مع أخته ليلى بالتوازي والذي يغترب في فرنسا ليعود للبحث عن هويته مرة أخرى وسط الإغتراب الحضاري واللغوي, حسن الإبن الصغير يسافر للقتال مع احدى التنظيمات المتطرفة تاركا ورائه زوجة وابنا بلا اوراق ثبوتية وكأن قدر الأسرة هو توريث قضية قيد الدرس لابنائها جيلا بعد جيل.
وتضيف أماني خليل : شخوص “قيد الدرس” تجسد معاناه حية غبر لغة متجاوزة للكلفة اللغوية والزخارف البلاغية، معاناة مغموسة في الواقع من خلال قضية لم يلقى الضوء الكافي عليها في السرد العربي, الزمان طويل نسبيا لكن السرد يتميز بالخفة والسلاسة، رغم وجود عدد كبير من الشخصيات إلا أنها تظهر بلا كلفة أو تزيد أو ترهل في الحكي.. نهاية ذكية تبقي القارئ على تماس مع قضية الرواية المعنية بالغربة وفقدان الذات والاغتراب.
سؤال الهوية
الناقد محمد عمر جنادي تناول في مداخلته سؤال الهوية، الذي تطرحه الرواية ليس بوصفها صفة قارة داخل الإنسان، فالنص لا يتسائل عن كنه الهوية ومركزيتها قدر ما يُسائل الهوية نفسها: هل هناك هوية معطاة سلفا؟ وهل يوجد مفهوم محدد لها؟ ترصد الرواية علاقة الهوية بالفردانية من جهة وارتباطها بالمحددات السياسية والتاريخية من جهة أخرى ، حيث يتعدد الرواة داخل ” قيد الدرس”، وقد منح تعدد الأصوات للرواية نوعا من ” الديموقراطية” أي أنها تناهض ” الهوية” كمعطى شمولي، فلا يوجد موقف أخلاقي أو إيديولوجي في الرواية معصوما من الطعن فيه ومخالفته، وهو ما عبر عنه السرد بتضمين وجهات النظر المختلفة، ومن خلال الدروب المتشعبة التي اتخذتها الشخصيات في البحث عن هويتها، فكان “القتال” هو درب باسم ، و”الفن” هو درب ياسمين، والتطرف هو درب حسن. ويصبغ الخطاب الروائي، عبرالأصوات المختلفة، النسبية على مواقف وأفعال الشخصيات، ليتباعد النص عن اليقينيات الجامدة أو المقولات الجاهزة حول مسألة “الهوية”.
ويضيف عمر: لبنان هي الإطار الذي تتكون فيه الأحداث، أو بالأدق “بيروت” و”دير السرو”. يُطرح المكان بوصفه خبرة شعورية للأفراد، لا كسلسلة من العبارات البيانية و السرد الوصفي، وهو الفضاء الذي يكشف عن الأبعاد السياسية والاجتماعية للتاريخ.
وتتبدى تمثلات المكان من خلال الأفراد، خبرة حزن جماعية ناتجة عن التاريخ الدامي للبلاد ، الثورة الفلسطينية،الحرب الأهلية، الاجتياح الإسرائيلي وحصار بيروت ، لهذا يتجلى المكان عبر “التاريخ” لا الزمان. فالزمان مفهوم أكثر تجريدا، يوحي بمرور الفصول وتبدل الهيئة والأحوال. أما “التاريخ” فهو صراعات الأمم أو ذبح السكان أو تكوين وإسقاط الدول. ويمكننا القول بأن الرواية تراوحت بين المفهومين، بين الزمن كتاريخ داخلي وجودي للشخصيات وأزماتها، وتاريخ حقيقي للعالم المحيط بنا.
لم تتباين مستويات اللغة على مستوى النبرة والأسلوب. وينحو السرد إلى التماثل الأسلوبي، لكنه يتغلب على التماثل والجمود بتضمينه دفتر حسن، كنوع من الميتاسرد، وبمنولوجات “ليلى” و”حسان” المتباينة من حيث الذهنية والحالة الشعورية، وبتنوع الضمائر من فصل إلى آخر.
تستدعي الرواية سؤال “الأب” وترصد تبعيات غيابه، وربما هو السؤال الأكثر مركزية داخل السرد. يشكل غياب “الأب” العقبة الرئيسية أمام الحياة “الطبيعية” لأبنائه، هم رغم استعادتهم للهوية الرسمية في الفصل الثالث، لكنهم ظلوا ممزقين في حالة من البحث اليائس عن الذات.
تعمد الرواية إلى تقويض “الهوية” وتنجح في هذا التفكيك من خلال خطابها الروائي، وشخصياتها النابضة بالحياة، حيث اعتنى السرد بتفاصيل الشخصيات ورسم الذوات من الداخل والخارج، ليصيغ من عائلة “عبد الله ” أفرادا يعيشون في ذاكرة المتلقي، لا مجرد نماذج روائية غايتها التمثيل الرمزي للمجتمع اللبناني.
دلالة المكان الروائية
أما القاص مصطفى زكي فقد تناول في مداخلته دلالة المكان في الرواية قائلا : المكان يمثل بطلا مهما في الرواية، إذ من دون المكان سوف تختلف مجريات الأحداث تماما، انتقال الأسرة من بيروت المدينة إلى بلدة ” دير السرو” أدى إلى حدوث تحول كامل في حياتها، صحيح أن هذا يحدث بفعل الحرب، لكن المكان بهويته الريفية على الأسرة يفرض عليهم تحول سلوكي، ومعرفي أيضا، في احتياجهم الملح إلى آليات دفاعية جديدة لا يمتلكونها تجعلهم قادرين على مواصلة الحياة وسط جماعات مختلفة الانتماءات والقناعات.
من هنا يمكن اعتبار ” قيد الدرس” رواية تستند في بنيتها الأساسية على علاقة الأبطال بالمكان سواء في وجودهم في بيروت، أو انتقالهم إلى “دير السرو”، أو حتى في سفر حسان إلى فرنسا، فهو يتحدث عن المكان واللغة بأسلوب المواجهة لتمثيلهم تحد قائم بالنسبة له. هذه الأمر ينطبق أيضا على حسن الذي اختار طريق العنف والارهاب، إلا أن انتماءه الأصلي نحو بيروت يظهر حين يقرر أن يرسل زوجته وابنه ليعيشان في كنف أسرته، هكذا تبدو مدينة بيروت الملجأ الأخير للأسرة ككل، حيث يعود الجميع إليها، وتتقاطع مصائرهم فيها.
نهاد محمود