” أغنية لمارغريت ” في لندن
في إطار تنويع المحاور الثقافية والأدبية التي تعمل على تقديمها، ناقشت مؤسسة الحوار الإنساني في لندن رواية ” أغنية لمارغريت” للكاتبة لنا عبد الرحمن،وذلك بهدف تسليط الضوء على كتابة المرأة العربية. قدمت للرواية الشاعرة ورود الموسوي التي تناولت في تقديمها الأعمال الإبداعية السابقة التي أصدرتها الكاتبة، كما تحدثت عن الرواية موضوع المناقشة بأنها عمل روائي تجريبي ينتمي إلى زمنين ومكانين مختلفين، من بيروت، إلى باريس، ومن الحرب إلى السلم، وإلى تقديم وجهات نظر فلسفية، حول العلاقة مع الجسد، والعزلة، والخراب الذي يشمل الأمكنة والأشخاص.
ثم ناقش الناقد عدنان حسين أحمد الرواية، موجزا المضمون الحكائي للنص بأنه يتناول حياتين الأولى هي حكاية زينب التي تضطر هي وعائلتها لهجرة بيتها في الضاحية الجنوبية بسبب الحرب لتنتقل إلى منطقة ” الصنايع” حيث تسكن العائلة في بيت أحد الأقارب، وهناك تبدأ زينب في تدوين يومياتها مع الحرب عبر كتابة الرسائل إلى يان أندريا الحبيب الأخير للكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس، واعتبر الناقد أن خط الرسائل، هو الخط السردي الثاني في الرواية، في المقابل يوجد محور آخر في النص يتناول حياة مارغريت دوراس في أعوامها الأخيرة، ويركز هذا الجزء على تفاصيل حياة دوراس في مرحلة عزلتها، ومرضها، وتخوفها من الموت والمرض، الذي تطرح تساؤلاتها حوله من خلال مقاربتها بين الماضي والحاضر.
تناول الناقد الثيمات الأساسية في النص مثل التقاطعات الأساسية بين حياة زينب وحياة مارغريت، كما أوضح أن الرواية تضمنت ثلاث مستويات من السرد في أسلوب مختلف مع كل مستوى، قائلا : ” هناك راو عليم يكشف ما لا تكشفه زينب في رسائلها عن عوالمها المرتبكة، وعن علاقتها مع عائلتها ومع الأشخاص الذين أحبتهم، ثم هناك راو آخر يسرد تفاصيل حياة مارغريت دوراس في أعوامها الأخيرة، ومع وجود أكثر من راو يتضح اختلاف لغة السرد عن اللغة المستخدمة في الرسائل، التي امتازت بوجود لغة شعرية، وجاءت محملة بالأسئلة، كأن تقول الكاتبة : ” في باطن يدي اليسرى أحمل الكرة الأرضية، أرى الكنغارو يركض في براري أستراليا، وألمح أهل الضباب يدخنون التبغ عند حافة الكون. في باطن يدك اليمنى أرى البحر، لا شيء غير البحر”.
توقف الناقد أيضا في مقاربته للرواية عند ثيمة الأماكن المهملة في النص، تلك الأماكن التي لا تستوقف أحدا في ظاهر القراءة الأولى للرواية، لكنها تحمل دلالات تشير إلى مواقف أبطال الرواية من الحياة ككل، ومن تلك الأماكن مثلا الغرفة المهجورة التي يُطلق عليها اسم ” غرفة البنت القتيلة”، هذا المكان الذي تختار زينب أن تدخله بجرأة بعد أن تحاشاه الجميع، هناك أيضا النوافذ التي تراقب منها زينب المهجرين من بيوتهم بسبب الحرب، وكيف يفترشون الأرض، وينامون في العراء. وإذ كانت الحرب تحضر بشكل مكثف في السرد الذي يتناول حياة زينب، فإن الإضطرابات النفسية وتشابك مشاعر الخوف والعزلة، تطرح أزمة مارغريت دوراس في علاقتها مع الحياة، وأيضا في طبيعة تواصلها مع يان أندريا الذي رافقها حتى لحظات موتها، ويوضح الناقد عدنان حسين أحمد أن يان أندريا في الرواية يشكل حلقة الوصل بين حياة مارغريت وحياة زينب، ففي الوقت الذي كان يان أندريا يرمز للشباب والقدرة على الاستمرار في مقابل مارغريت التي وصلت الى نهايتها، يصير يان أندريا هنا الحلقة الوسطى بين زينب التي تحمل دلالة الاستمرار عبر اختيارها فعل الكتابة وبين مارغريت الغائبة الحاضرة. وإذا كانت زينب اختارت فعل الكتابة ليكون حاضرا في تعبيرها عن ذاتها بل تحديدا كتابة الرسائل ، في المقابل نجد غياب الحضور الفعلي لشخصية يان أندريا الذي يكتشفه القارئ من خلال الرسائل، فيما لا نجد أي رد فعل له خلال الرواية، وكما لو أن هذه الرسائل تكتبها زينب لتؤدي عبرها فعل مقاومة للحرب والخراب الذي تعيش في وسطه، وهذا ما يؤكده الجزء الأخير من الرواية حين تكتشف زينب ضياع الرسائل، في الوقت الذي تنتهي فيه الحرب، وتكتشف زينب أن صوت الموسيقى الذي كانت تسمعه حقيقي بالفعل،وأنه جزء من حالة الرغبة بالحياة، ومحاولة مقاومة الموت.
سارة سعيد