حفل توقيع ” تلامس ” : الكتابة عن تفاصيل صغيرة في مدينة حزينة
شهدت مكتبة البلد بوسط القاهرة حفل توقيع رواية (تلامس) للكاتبة لنا عبد الرحمن .. ضمن منشورات الدار العربية للعلوم، في بيروت، وقد صدر للكاتبة من قبل مجموعتان قصصيتان (أوهام شرقية) و (الموتي لايكذبون)، ورواية بعنوان (حدائق السراب) وكتاب نقدي يحمل عنوان (شاطئ آخر)، وشهد حفل التوقيع العديد من المثقفين والمهتمين بكتابة الرواية.. وشارك مجموعة من الكتاب في مناقشة الرواية. وقدمت لحفل التوقيع الكاتبة الصحافية سمر نور التي أكدت أن الرواية تأخذ القارئ إلي عوالم بيروت وتفاصيل المدينة التي اهتمت الكاتبة بتناولها مثل الشوارع والمقاهي والسينما ..
واستخدمت الكاتبة اللهجة اللبنانية في الحوار داخل الرواية وكانت مشغولة بالاهتمام بمفردات اللغة التي تميزت بشاعرية عالية ووصف دقيق للجو النفسي الذي تعيشه بطلة الرواية. الروائي محمد العشري قال: اختارت الكاتبة في رواية “تلامس” عام 2006 ليكون الإطار الزمني الذي تجري الأحداث عبره، أما المكان فهو مدينة بيروت قبل وقوع أحداث الحرب مع اسرائيل الأخيرة في شهر تموز (يوليو). لا تبدأ الرواية بحكاية الحرب، بل بالحديث عن خوف البطلة من جنون متوارث في عائلتها، جنون يدفعها للتفكير أنها ستلاقي ذات المصير الذي لاقته عمتها يوما ما ثم تصير نزيلة مستشفي للأمراض العصبية، هذا الخوف الذي ظل يمثل طوال الرواية شبحا يختفي بين السطور ويظهر بين فينة وأخري.تكشف الرواية أيضا عن حياة الناس في بيروت قبل الحرب، عن خوفهم المستمر من المجهول، عن مرور أيامهم وتشابهها لا نتائج واضحة تفضي إلي حلول، تقول الكاتبة في مطلع الرواية “أكثر ما كان يخيفني، أن أصير مثلها.
أن تكون نهايتي مثل نهايتها. كوابيسي عنها لا تنتهي، ثم الأشباح… الأشباح التي تأتي ليلا لتهز سريري وتمضي، تتركني أحدق في فراغ غرفة ملبدة بالضباب ولون رمادي كثيف يشبه البخار المتصاعد من قدر هائل الحجم، وخيوط لا مرئية تتمازج ألوانها بين البترولي الأسود، والكحلي القاتم، ألوان تشعرني بالجفاف الشديد في حلقي، كما لو إنها وجدت في هذا الكون لإفزاعي فقط. استيقظ في الليل مرعوبة بسبب الكابوس ذاته.
أشاهد نفسي نزيلة مستشفي المجانين، “دار العجزة” أو “المأوي”، أكثر الأسماء التي تسبب لي الهلع. دراستي “علم النفس” لم تحررني من هذه “الفوبيا” المرضية، ظننت أني سأتخلص من كوابيسي، ومن ذكرياتي، سيصير ترددي علي “المأوي” أمراً عادياً، أقوم به كلما طلب مني القيام ببحث ما، لكن الأمور لم تسر علي هذا الشكل، وظللت أصاب بالرعب كلما صعدت إلي السيارة وقلت للسائق: “المدينة الرياضية، نزلة مستشفي العجزة”. منذ عامين صرت أذهب لزيارتها وحدي.
لم يبق سوي أنا وهي، تدريجيا ضاقت الدائرة علي وعليها بعد موتهما.” ويضيف العشري: تحكي الكاتبة عن تفاصيل صغيرة في حياة البطلة، علاقتها بالسينما، قصة حبها للشاب الإفريقي “محمدو”، كما تكشف عن إحساسها باليتم، وعيشها في قلق دائم تهرب منه إلي عالم الإنترنت، لتمر الساعات من حياتها مرورا عبثيا، لا يترك فيها أي طعم. ويري أن الكاتبة تمكنت في ختام الرواية من التأكيد علي بدايتها، التي انفتحت مع حدث التساؤل عن الجنون، ثم لتنتهي بفوضي عارمة تكشف عن هوية مدينة بيروت وكما لو أنها ساحة كبري لجنون مستتر.
الجنون والحرب والبدانة وتحدث القاص نائل الطوخي موضحاً أن هناك عدة أفكار يمكن تطبيقها علي أحداث الرواية أهمها فكرة السواء وعلاقته بالجنون والحرب والبدانة وأكد أن الجنون بدا جلياً عندما تحدثت الكاتبة عن عمة البطلة التي دخلت المصحة النفسية لأنها تعاني الجنون وهو ما ربطته الكاتبة في الرواية بعدم الاحتشام حيث كانت “العمة” تخلع ملابسها أمام المرآة وتلجأ لوضع مساحيق التجميل وتقليد الفنانات وأشار إلي أن الرواية توضح كيفية أن يكون المجنون متمرداً علي سلطة العقل وبالتالي فإن المجتمع يعاقب المجنون علي هذا التمرد عندما يقف ضد سلطة المجتمع باعتباره شخصا مختلفا عن الآخرين وقال بإن الكاتبة أوردت عبارات وتخاريف المجنون في وصف لطيف ودقيق وأضاف الطوخي أن الحرب ظهرت بشكل ضعيف ولم يكن لها تأثير كبير إلا أن البطلة تحدثت عن كيفية اختراق الحرب لجسد المجتمع باعتبار أن الأحداث تدور في بيروت فالعمة أصيبت بالجنون في الحرب الأهلية وماتت في الحرب الثانية وصورت قلب البلد بأنه ذلك الجزء المعرض للحروب الشيطانية .
وأن انهيار جسد المجتمع مرتبط بانهيار عقل الإنسان فالجنون والحرب قوي شيطانية أثرت علي الجسد ودفعته للتمرد علي الحالة التي يجب أن يكون عليها وقال الطوخي: الشيء الثالث هو البدانة من خلال فكرة الجسد والسيطرة عليه حيث تبدأ الرواية من خوف البطلة من أن تشبه عمتها في البدانة فهي تنظر لقالب الحلوي بنوع من الذنب، وكيف أنها تتحول لتحافظ علي جسدها في الشكل المثالي الذي تم تحديده من خارج شهوات الجسد إن الامر الغريب في الرواية هو أن من يخاف من شيء يبتعد عنه وبالرغم من أن البطلة تخاف من هاجس البدانة الذي أصاب عمتها إلا أنها الوحيدة التي تذهب لزيارتها في المستشفي حكايات حاضرة ويري الكاتب والمترجم مصطفي محمود في مداخلته حول الرواية أن رواية “تلامس” تعود بنا إلي نوعية الرواية الكلاسيكية إن جاز التعبير حيث السرد الخطي الواضح والابتعاد عن الترميز والتلغيز وكتابة الذات.
تفلح الكاتبة في شد انتباه القارئ وتحتفظ به إلي نهاية الرواية في حالة من الشغف والترقب، وتلك قدرة تحسب للروائية.. ان الخوف من الجنون في الرواية هو الخوف من جنون المجتمع الذي يدفعه إلي الحرب والانهيار. ومن قبيل المفارقة أن البطلة لا تعاني من أي بوادر للجنون بل إنها تتميز بالقدرات العقلية النقدية والتحليلية. كما أن الحدث الأساسي المخيم علي الرواية هو الحرب علي الرغم من أنه لا تظهر لها أية تفاصيل في الرواية. كذلك الشخصية المحورية في الرواية وهي العمة لا تظهر أو تتحدث في الرواية وإنما فقط تكون حاضرة بقوة من خلال الحكايات عنها.
الرواية ممتعة من الناحية البلاغية واللغوية خالية من أخطاء الإملاء والنحو وجاءت العامية اللبنانية متوافقة بجمال مع نسيج العمل وجعلت الشخصيات تعبر عن نفسها بحرية وأتاحت لنا التعرف علي جماليات الفلكلور اللغوي اللبناني. ويضيف مصطفي محمود: في رأيي أنه يؤخذ علي الرواية كثرة الاستشهاد بالأفلام والأغاني والقراءات مما أعطي الانطباع أن الكاتبة تستعرض قراءاتها وثقافتها، ولم يكن لذكرها ضرورة فنية في الرواية. أيضاً أتصور أن هناك بعض الإطالة في السرد وكثرة الحكايات الجانبية التي لو حذفت لما تأثر النص، ولكان أكثر إحكاماً وتركيزاً وإن كان جمال السرد وسلاسته تجعلنا نتغاضي عن هذه الإطالة. كذلك وصف الأماكن في المدينة كان مقحماً علي النص ولم يدخل في نسيجه، فبدا كما لو أنه وصف تسجيلي منفصل عن فنية العمل. أيضا تتجلي قدرة الكاتبة الروائية في الفصل الأخير حيث يسرع مجري الأحداث ويتزايد التكثيف فيها مع التصاعد المستمر في التوتر مع موت العمة واندلاع الحرب في جنون تموز (يوليو) .
—
القدس العربي – 26-Jul-2008
أمير عكاشة