الحياة للفن لكن الموت أزلي، وداعا ويتني هيوستن

 

 

ثمة نهايات مفجعة تدفع للتفكير بمدى الموت اليومي الذي حضر مرارا قبل الوصول الى تلك النهاية. أغمضت ويتني هيوستن عينيها وحيدة، قبل أن تغني أغنياتها الأحب الى قلبها، رحلت عن  هذا العالم للأبد، آخذة معها  نبرتها الشجية المليئة بالأسى وتاريخ من العذاب المرير ربما يسكن تحت  جلدها، أو بين مساماتها العرقية، ممزوجا بعذابات ذاتية، واضطرابات استمرت معها لعقود طويلة.

في غرفة بفندق فخم في كاليفورنيا ، كان من المفترض أن تغني فيه ويتني في الليلة القادمة، عثرت الشرطة الأمريكية على  جسد أسطورة الغناء الأمريكي ، ممددا في سكون، فارقها النبض، من دون أن يوضح أحد السبب بشكل قاطع. فيما يتم تبادل عبارات عن الجرعة الزائدة التي لم يحتملها الجسد الأسمر المنهك، الذي عانى لسنوات من مشكلات الإدمان.

ذاك الموت المجاني، أفول الجسد ليس بسبب العمر، أو المرض، بل لسبب آخر يتعلق بالأذى الذي تعرض له هذا الجسد بالإدمان، كما في حالة  ويتني هيوستن، مايكل جاكسون، ومن قبلهما ألفيس بريسلي،وغيرهم كثيرون. ثمة ما يمكن الحديث بشأنه عن الفراغ الداخلي، عن غياب الفرح بالحياة  والبحث عن السعادة الوهمية عبر العقاقير، لم يجلب الفن أي  احساس بالتحقق أو السعادة لويتني هيوستن، أسطورة البوب الأميركية وحاملة لقب “أفضل مغنية على مر العصور”، لم تمنحها هذه الألقاب إلا مزيدا من الضياع، فعالم الشهرة كان للخارج فقط، لامعا وبراقا، لكنه خاو تماما لم يمنحها الفرح ولا السلام الداخلي أو التصالح مع النفس، وهذا ما عبرت عنه المطربة  باربارا  سترايسند في بيان لها بعد موت وتني هيوستن قائلة : كانت تملك كل شيء.. الجمال.. الصوت الرائع. إنه لأمر محزن أن مواهبها لم تجلب لها السعادة كما كانت تجلبها لنا.”

كانت ويتني مُحملة بهشاشة عاطفية، لا تكشفها بشرتها الخلاسية، ولا  حنجرتها القوية التي تصدح على المسارح ببحة إفريقية تمنحها فرادتها الخاصة. لذا وقعت أسيرة تلك الهشاشة المفرطة، وظلت محاولاتها للتعامل مع الحياة بمزيد من الحسم أضعف من أن تؤدي بها الى الصمود في وجه العواصف، لذا استسلمت لادمان الكوكايين مدة أربعة عشر عاما، قبل أن تلقى علاجا لإعادة التأهيل، ثم عادت وانتكست عام 2009، وتعرضت لإفلاس مادي دفعها للاستعانة بمعونات من الأصدقاء.

ويتني هيوستن كانت أخبرت المحيطين بها أنها تشعر بأنها ستموت قريبا، وذلك قبل يوم من إعلان وفاتها. لكن لم   يكن موتها ليمنع إقامة حفل كان مقررا قبل حفل جوائز جرامى، حيث ذكرت صحيفة “ديلى ميل” البريطانية  أن ا الحفل المقرر أقيم  فى فندق بيفرلى هيلز على الرغم من وفاة ويتنى فى نفس الفندق. وفي يوم تأبينها حرص عدد كبير من النجوم على إلقاء نظرة الوداع على جثمانها المسجى، والأغرب أن عمدة مدينة  نيويورك  ولاعترافه بمكانتها ، فقد  بدأ كلمات تأبينه من  أغنيتها ” سأحبك دائما” في  فيلم “بودي غارد”، ثم قال : ” اننا هنا ليس للحداد على فقيدتنا، ولكن للاحتفال بحياتها، نحبك ويتني هيوستن”.

    د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى