يوسف رخا : قراءة في دفاتر الحرب اللبنانية

 

كتابه «بيروت شي محل» الذي صدر ؛ ضمن منشورات أمكنة، حمل تحريضا على اكتشافه ومعرفته، بداية من العنوان الذي تعمد الكاتب أن يكون بالعامية اللبنانية، وحتى تجربة تمازج الفوتوغرافيا مع الكتابة، ويوسف رخا الذي تتميز كتابته عموماً بوجود عين لاقطة لتفاصيل المكان،  تختزل الأحداث والأصوات واللهجات، لم يكتف في «بيروت شي محل» بهذه الأشياء بل تعمد قراءة سيرة الحرب اللبنانية عبر تجميعه حكاية هذه الحرب من عدة مصادر واتجاهات على الرغم من أنه يتضمن الكثير من المغالطات والآراء السريعة، حول تجربته في كتابه «بيروت شي محل» وحول رؤيته الآن لبيروت بعد الحرب كان هذا الحوار:

* كمثقف مصري لماذا اخترت الكتابة عن بيروت ووضع ذلك في كتاب مرفق بالصور؟

بيروت كانت أول بلد عربي أزوره كنت مرتبطاً بها ارتباط ثقافياً وثيقاً ثم في فترة من الزمن أحسست بحاجة ملحة لاكتشاف بيروت، إذ هناك جزء ان في تلك المدينة، جزء ما بعد الحرب وكأنه لا ينتمي للعالم العربي، بينما جزء آخر من بيروت مختلف تماماً، حيث المناطق الشعبية التي تشبه ما كانت القاهرة عليه قبل مولدي بعقود كل هذا أثارني بصرياً، لقد كتب عن كتابي «يوسف رخا في بلاد العجائب» فعلاً كنت كما لو أنني في بلاد العجائب. أما بالنسبة للفوتوغرافيا فقد كانت نوعاً من العلاج النفسي بالنسبة لي وحين تطوع محي الدين اللباء في التصميم والإخراج بدت الفكرة رائعة بالنسبة لي أن تترافق الكتابة مع الصور.

* لكن ألا ترى أن مصر أيضا فيها عوالم مختلفة، لماذا أدهشتك بيروت إذن؟

مصر تغيرت كثيرا عن السابق، طرأت عليها تحولات جذرية، في بيروت وجدت تعدداً حقيقياً، تعدداً مدفوعاً ثمنه غالياً، ووجدت أيضا إجابات عن كل أسئلة العروبة المعاصرة، إنها المدينة التي تتضمن علمانية حقيقية، وتعددية حقيقية، كما لو أن هناك جهوداً منظمة لتدمير العروبة في معناها الإيجابي، أو الاستشراقي.

 لكنك في بيروت شي محل لم تكن حريصاً علي الكتابة عن بيروت، بل عن بيروت من وجهة نظر مثقف مصري يسير في شوارع بيروت ويصفها؟

ـ دائما أنا متهم بالذاتية الشديدة، خلال كتابتي عن بيروت أيضا تخيلت أنني أفكر بالكامل في بيروت، ربما هذا لم يكن صحيحاً أيضا بالنسبة لبيروت هناك استحالة لقول أخير، المعلومات التي جمعتها تاريخياً حاولت أن ألا يكون فيها خطأ، ورغم ذلك وجد البعض في الكتاب بعض التشزر، الآن افتخر إذا كان هناك تشزر في الكتاب لأنه يعكس انقسامي أيضا في رواية تلك المدينة، إنه انقسام يعكس التعددية والانقسام الموجود أصلا في لبنان، البعض قال أنني عرضت وجهة نظر واحدة فقط في الكتاب، هذا صحيح، لقد عرضت وجهة النظر التي تبنيتها بعد كل القراءات، لدي تصور أن الكاتب عليه أن يتبني وجهة نظره، ويحكي عما يراه هو.

علاقة شخصية

 في كتابتك تعبر عن المكان من ثلاثة زوايا «الصورة ـ اللهجة والكتابة» كيف يتشكل هذا التآلف؟

ـ الصورة تعكس علاقة شخصية جداً بالأشياء مرادفة للعملية التي تحصل أثناء الكتابة، أما بالنسبة للهجات فأنا شغوف باللهجات العربية، وأرى أن التعرف علي اللهجة هو جزء من التعارف على المكان، وهذا التفاعل مع المحكي هو عنصر أساسي للنص والتوظيف الأدبي.

* الملاحظ في كتاباتك عموما الاهتمام بالكتابة عن الأماكن، بيروت، المغرب، تونس، هل تضيف هذه النصوص أدب رحلات حيث المزج بين الأدب والتصوير الفوتوغرافي؟

ربما يكون ما أكتب هو مساهمة بسيطة لمشروع أكبر هو أدب الرحلات العربي الذي يعتبر غير مطروق كثيراً، أحب تصنيف كتابتي أدب رحلات، لكن من ناحية أخرى كتاب «بيروت شي محل» في بداية الأمر كان دفتر مذكرات تحول إلى كتاب، وإذا أردت التصنيف ربما يعتبر الكتاب نصا صحافيا يتماس مع الأدب.

* بيروت الآن، بعد الحرب، بعد كل الدمار الذي حصل، كيف هي رؤيتك لها؟

الفكرة التي تسيطر على هي انه كان هناك بيروت التي عرفها أبي قبل الحرب، ثم خلال الحرب لم يعد هناك وجود لها، ما بقي أشياء تدل على الحرب فقط، الآن مرة أخرى المدينة تمحي، لكن ما يظل هو القناعة الحقيقية بأن الشعب اللبناني وكل محبي بيروت سيدفعونها للحياة مرة أخرى، من الناحية السياسية ليس لدي أي قراءات للمستقبل ،لكن أظن أن لبنان تحديداً عليه أن يتبنى السلام بأي شكل ـ لبنان مؤهل لأن يكون أرضا لحرب الآخرين.

أهل الجنة

* صدر لك مجموعة قصصية وحيدة عام 1999، لماذا لم تكرر التجربة؟

أرى أن هناك أزمة في القراءة واضحة جداً في عالمنا العربي، هذا شيء محبط، ليست هناك أزمة في الكتاب الجيدين، هناك أزمة في القراء.

* لم من وجهة نظرك؟

السبب كما أظن أن هناك انفصالاً تاماً بين الكاتب والقارئ وأرى الحل لتقريب المسافة بين الكاتب والشعب هو الكتابة ما بين الصحافة والأدب، مثلاً رواية صاموئيل شمعون «عراقي في باريس» لا تختلف عن «بيروت شي محل» إلا من حيث التصنيف، صاموئيل اعتبر نصه رواية،  أرى أنه على المدى الطويل جدا يجب التعامل مع الكتابة كمجرد كتابة، والتحرر من القوالب الجاهزة، العامود الصحافي مثلاً فيه خطاب للجمهور، لماذا لا يحصل هذا بالنسبة للكاتب، الكتابة العربية في حاجة لتقليص المساحة ما بين المنتج والمستهلك، في تجربة «أمكنة» مثلاً القارئ يقرأ نصوصا ليست أدبية صرفاً، ولكنها ليست بعيدة عن الأدب.

* هل تعد لعمل جديد؟

أعمل الآن على كتاب اسمه «أهل الجنة» وهو يتناول العروبة من منظور ما بعد حداثي، أي ليس منظوراً إيديولوجياً أكثر ما اضر بالعروبة هو الحركات التي تبنتها كمبدأ مثل الناصرية والبعثية، أنا مهتم بالعروبة كتاريخ مشترك ولغة.

د. لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى