الكرم العربي

 

هل الكرم عادة خاصة بالشعوب العربية فقط، أم أن هناك شعوب أخرى رغم كرم عاداتها إلا أنها  لم تحظى بالشهرة التي يتمتع بها الكرم العربي؟

على الرغم أن العرب كانوا يعيشون في الصحراء، ولم يكن يحيط بهم كثير من الموارد الحياتية، إلا أن  عادة الكرم  تُعد من  أقدم العادات العربية  المنبثقة عن حياة التنقل والترحال، وهذه العادة من ضمن الموروث الشعبي الأغنى عالميا..فالعادة العربية القديمة في الكرم كانت تقضي بأن يبات الضيف ثلاث ليال حتى يزول التعب عنه قبل أن يُسئل عن حاجته، ومن أبرز رموز استقبال الضيوف تقديم القهوة  العربية أولا، ثم إشعال النار في البوادي لدى العرب، ثم اعداد وجبة طعام للضيوف مهما كان وقت قدومهم سواء ليلا أو نهارا. لذا حين يقال عن شخص ما في الماضي بأنه كثير الرماد فهذا يعني بانه كريم جدا ويستقبل الضيوف بشكل دائم بدلالة إشعال النيران حتى يُستدل على بيته، ويقصده الغرباء وعابرو السبيل.

ويشترك  الشعب الروسي مع العرب في بعض عادات الكرم  ويعتبر تقديم الخبز والملح لدى الروس من ضمن العادات الكريمة، حتى أن الأمير الروسي فراديميخ الذي اشتهر برحلاته  ألف كتابا بعنوان”التعاليم” وقال فيه : ” أن من يتقن استقبال ضيوفه يحقق لنفسه ولوطنه  سمعة جيدة”، وإذا  كانت عادة تقديم العربي جواده لضيف عزيز عنده ، فعند الشعب الروسي يرادفها  تقديم الأمير عباءته التي غالبا ما تكون من الفراء النادر. وكما أشتهر حاتم الطائي عبر التاريخ العربي بذبحه لجواده كي يُطعم ضيوفه، فإن القيصر الروسي كان يقدم 400 طبق مختلف، ويُحمل ضيوفه ما يتبقى من الطعام. اما الكاتب الروسي تشيخوف الذي عانى من الفقر كثيرا في بداية حياته، فيصف في كتاباته كيف أن أصدقاءه صاروا يحتلون بيته بعد تحسن أحواله المادية، لدرجة أنه لم يعد يجد مكانا يكتب فيه، وكان هذا يسبب له سعادة كبيرة.

يرى العرب أن أصل المحاسن كلها الكرم، لكن ما يبدو أهم من الكرم كثيرا هو حُسن اللقاء، حيث العبارة العربية الشعبية المتداولة ” لاقيني قبل أن تطعمني” وهي دلالة على أهمية الإستقبال الحسن إذ ما فائدة وليمة كبيرة أمام غياب الحفاوة والترحيب. وفي هذا يقول الشاعر عمرو بن الأهثم :

أُضاحِكُ ضَيفي قَبلَ إِنزالِ رَحلهُ

وَيُخصِبُ عِندِي وَالزَمانُ جَديبُ

أما الشاعر العربي  السمؤال فقال عن الكرم :

تعيرنا بأن قليل عددنا           فقلت لها بأن الكرام قليل

ومـا ضرنـا أنـا قـليل وجـارنـا     عـزيز وجـار الأكثريـن ذليل

يرادف  كل ما قيل عن الكرم، وجهة نظر أخرى تدحض نظرية الكرم العربي بأنه كان مقتصرا على قلة من الأشخاص، وإلا ما كان حاتم الطائي حظى بهذه الشهرة عبر التاريخ.  لكن يظل ما ينبغي التأكيد عليه أن العرب جميعا يدينون ظاهرة البخل، وفي كتاب ” البخلاء” للجاحظ دلالة على رفض العرب للبخل ، حيث جمع الجاحظ في كتابه نوادر وطرائف البخلاء، وأدانهم بأسلوب ساخر فيه كثير من الكشف عن سيئات البخل ومزايا الكرم.

وفي الحقيقة، أن بعض المجتمعات العربية في العصر الحديث وبعد أن صار هناك وفرة في الطعام، صارت تعاني من الإسراف ويكون ما يُلقى في القمامة أكثر مما يتناوله أهل المنزل، وهذا طبعا لا علاقة له بالكرم، في الوقت الذي توجد فيه مجتمعات أخرى تعاني من المجاعة، ولا يجد أطفالها كسرة الخبز، لذا يبدو من المهم جدا معرفة الحد الفاصل بينهما، بهدف تحقيق نوع من التوازن.

د. لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى