من الورق إلى الآي باد

    صار الإنترنت يهدد فعليا الكتاب الورقي، ورغم كل ما قيل عن تصاعد القراءات عبر ” آي باد” وغيرها من الوسائل الإلكترونية، إلا أنه لم يكن من المتوقع التحول  بهذا  الشكل السريع من الورقي إلى الإلكتروني.  ولعل الزائر لأي من  معارض الكتب، سيلاحظ  حضور الكتاب الإلكتروني يوماً بعد يوم بمساحة متزايدة في معارض الكتب التقليدية،وسنلاحظ كيف  أصبح رواد هذه المعارض، يحملون إلى جانب الكتب الورقية، عدداً من الأقراص المدمجة ” السيديهات” التي  تحوي كتبا، أو برامج تعليمية، او دراسات  تحتاج إلى مئات الصفحات الورقية لنشرها. وكيف أن دُور النشر خاصة المهتمة بنشر الكتب المعرفية والدراسات صارت تروج لاصداراتها  عبر إغراء المشترين بوجود نسخة الكترونية مرفقة مع الكتاب الورقي .. هذا بالإضافة  لظهور مواقع  على شبكة الإنترنت  متخصصة بنشر كتب الكترونية متاحة للجميع مجانا  أوبأسعار زهيدة. أما التأثير المباشر في حضور الكتاب الإلكتروني فيتضح أكثر  في  القواميس والموسوعات ؛ ولعل هذا التأثير نال أيضا  موسوعة “دائرة المعارف البريطانية” حيث قررت الشركة التي تطبع الموسوعة ايقاف اصدار نسختها الورقية المشهورة المؤلفة من 32 جزءا بعد 244 عاما من أول اصدار لها ؛ وستركز الشركة على زيادة انتشارها الرقمي، لأنها  تواجه منافسة شديدة من مواقع الانترنت مثل موسوعة ويكيبيديا المجانية ؛ وقد برر رئيس شركة دائرة المعارف البريطانية وقف الطبع قائلا: ” كنا نعلم أن هذا سيحدث ،إذ على مدى عدة سنوات، تضاءلت مبيعات الموسوعة المطبوعة بشكل كبير.” لكن خطوة ايقاف الطباعة الورقية تأتي  بعد ان أصبحت الشركة، التي اعتادت بيع وايصال موسوعاتها إلى البيوت، تحقق 85 بالمائة من دخلها من المبيعات على الانترنت، مما دفع  الشركة لاطلاق نسختها الرقمية على أجهزة الكمبيوتر اللوحية، والغاء الورقي تماما. واذا كان الاتجاه للقراءة في العالم الغربي يتجه نحو الإلكتروني، وسيلحق العالم العربي تباعا بهذه الخطوة، رغم  أن نسبة الأمية المرتفعة، مما يعني أن الخطوة هذه ستتأخر قليلا في التنفيذ مقارنة بالغرب. لكن من الواضح أن  الآراء مازالت  منقسمة حول تفضيل الكتاب الإلكتروني على الورقي، فالبعض يرى أن وجود الكتاب الورقي له مزاياه التي يتفوق بها على الكتاب الإلكتروني، فالكتاب المطبوع لا يحتاج إلى وسيط للقراءة ؛ فالعلاقة مباشرة بين القارئ والكتاب، كما أننا  نستطيع مطالعته في أي زمان ومكان. فيما يرى أنصار الكتاب الإلكتروني أنه وفر سهولة الوصول إلى المعلومة، لأننا  نستطيع بكبسة زر الوصول إلى أي كتاب نريده دون النزول إلى المكتبة ؛ بينما يرى فريق ثالث أن النشر الإلكتروني له مزايا وعيوب، فمن مزاياه أنه يستخدم تقنيات الحاسبات وبرامج النشر الإلكتروني في طباعة المعلومات وتوزيعها ونشرها .. كما أنه أقل في التكاليف من النشر الورقي وبالتالي سعره رخيص مقارنةً بالكتاب الورقي، إضافة أن القارئ يستطيع الحصول عليه بسهولة، ويستفيد منه بشكل خاص الباحثون ؛ حيث يوفر لهم تصفح أكثر من كتاب في نفس الوقت، واختيار فقرات محددة يحتاجونها في بحوثهم ونسخها دون الحاجة إلى تنضيدها على الحاسب ؛ لكن  مساوئ النشر الالكتروني للكتاب تتمثل بضياع حقوق الملكية الفكرية لبعض الكتب، إضافةً إلى أن الكتاب الورقي أكثر راحة في القراءة من الكتاب الالكتروني. أمام هذا كله يظل السؤال المطروح هل سيأتي على الكتاب الورقي يوم يصبح فيه من المقتنيات الأثرية، ويصير مكان مكتباتنا الضخمة، رفوفا رفيعة نخزن عليها مكتبات الكترونية من الاسطوانات المدمجة؟ من يدري ؟! ربما يحصل هذا حقا.  

د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى