أشياء عتيقة
تكتسب مقتنيات المشاهير أهميتها مع مرور الوقت، خاصة بعد رحيلهم، فنسمع عن بيع الأشياء التي استخدموها في مزادات علنية،وبأسعار باهظة. بالطبع هناك من يهمه الأمر، ويسره أن يقتني نظارة المغني الفلاني، أو شال الفنانة الفلانية، أو ولاعة سجائرها..وهكذا، حتى يخيل إلينا أن ما يحصل فيه نوع من الهوس، وهو فعلا كذلك، لأن البعض من الناس يتعامل من المشاهير سواء كانوا فنانين أو سياسيين بنوع من التبجيل، ويصير كل ما اقتنوه أو استخدموه في حياتهم ثمينا، ويستحق أن يُبذل لأجله كل الغالي والنفيس.
مؤخرا قرأت عن عرض نظارة أصلية- تعود لرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل- في مزاد علني يقام في بريطانيا مع نهاية هذا الشهر. ومن المعروف أن نظارات تشرشل مشهورة عبر التاريخ، فهي ذات عدسات مدورة وغالبا ما شوهد تشرشل يضعها في السنوات الأخيرة من حياته، وهذه النظارات التاريخية ستباع في مزاد يطرح مبدئيا سعر أولي لها ما بين 200 و 300 جنيه استرليني، ويباع معها بطاقة تعريف عن تاريخ صنعها في العام 1954. لكن في الحقيقة أن كل ما يخص تشرشل يكتسب أهمية كبيرة فكيف إذا كانت تلك النظارة التي جاورت عيني الرئيس الفذ، حينها لابد لمقتنيها أن تهب عليه أفكار وأحلام تشرشيلية نقية.
أما الخبر الأكثر طرافة فيما يتعلق بالأشياء الخاصة بالرؤساء فلا يتعلق هذه المرة بالأشياء العتيقة جدا وبالرؤساء الراحلين، بل بسيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حيث بيعت سيارته بمزاد علني للسيارات الكلاسيكية والحديثة بمبلغ مليوني ونصف دولار، أما السيارة فهي من طراز بجو 504، وموديل 1977. أي أنها لا تستحق المبلغ المذكور، لكنها اكتسبت قيمتها من كون الرئيس اللإيراني امتلكها في وقت ما، وجاب بها شوارع بلده سواء كان رئيسا في حينها أو لم يكن، فقد صار لتلك السيارة أهمية تاريخية لا تقاوم.
بعض مقتنيات المشاهير يكون مصيرها ” المتحف” في حال لاقت اهتماما وتقديرا من الورثة، ومن الدولة، ويكون المتحف المكان الملائم لمثل هذه الأشياء، كي لا تكون حكرا على شخص بعينه ليراها ويستمتع بها، بل تكون معروضة للجماهير كلها وإن من خلف زجاج عازل أفضل من أن تظل مركونة في درج شخص مجهول.
منذ أشهر قليلة مثلا أعلن متحف فرانكفورت للأيقونات اعتزامه عرض مجموعة مقتنيات خاصَّة للفنانة الأميركيَّة الراحلة، مارلين مونرو، أشهر نجمات هوليوود في القرن العشرين. ويبلغ عدد هذه المقتنيات، حسبما ذكر المتحف المتخصص في عرض لوحات مسيحيَّة أكثر من 300 قطعة، بينها مقتنيات خاصَّة لم تعرض في أي مكان من قبل.ومن بين هذه المقتنيات الَّتي ستعرض في المتحف دليل الهاتف الخاص بمونرو، الَّتي ظلت تستخدمه حتَّى قبيل انتحارها في العام 1962، وكذلك أجندة مواعيدها لعام 1961. ، كما تضم المجموعة العديد من الأكسسورات الخاصَّة بمونرو مثل بكرات الشعر والعديد من قطع الملابس، بينها معطف للصباح مصنوع من الساتان وزوج حذاء مصنع يدويا.
لكن هذا المصير الذي آلت إليه مقتنيات مونرو، قلما يجد له نظيرا في البلدان العربية، ربما لأن ثقافة المتاحف لا تستهوي الذهنية العربية، أو لأن تقدير القيمة الحقيقية للأشخاص لا يحصل إلا بعد رحيلهم بوقت طويل، سواء كانوا فنانين أو سياسيين أو أدباء.
على المستوى العربي مثلا، يوجد في القاهرة متحف ” أم كلثوم” حيث تعرض فيه بعض مقتنياتها مثل : الأثواب التي ظهرت فيها في بعض الحفلات، الغرامافون الذي كانت تستمع إليه، وبعض الإسطوانات، ومفكرة صغيرة بخط يدها. لكن نادرا ما يحظى المشاهير في البلدان العربية بهذا التكريم، بل غالبا ما تثناثر مقتنياتهم وآثارهم بين بيوت الورثة أو الأقارب من دون وعي كافي بالقيمة التاريخية لها،وبعيدا عن القيمة المادية، تظل هناك رغبة الأجيال القادمة في رؤية أشياء عتيقة لسياسي أو لفنان أحبوه.
د. لنا عبد الرحمن