باي باي .. ورق

 

وبعيدا عن الغوص في الحديث عن البيئة، وإذا كانت الصحافة العالمية تعاني  هذه النتائج،ولم توارب في الكشف عن أوضاعها المالية غير المستقرة،يستمر الإنترنت في زحفه يوما بعد يوم،ليسحب البساط ويكسب أراضاً جديدة كانت تحت بصر الصحافة الورقية•فقد أصبح واضحاً عزوف القراء عن شراء المطبوعات الورقية،وتحولهم  نحو نمط جديد من المعرفة يتمثل  بالقراءة الإلكترونية،خاصة أن الحصول علي المعلومات الخبرية والمستجدات العالمية ينتشر بسرعة أكبر من خلال الإنترنت والمحطات الفضائية،فضلاً علي أنه أقل كلفة . مؤخرا أعلنت صحيفة النيويورك تايمز أنها تعاني من ارتفاع تكلفة الطباعة نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية،وانخفاض منسوب الإعلانات،وبالتالي فإنها تعتزم إلغاء عدة ملاحق من أعدادها الأسبوعية مكتفية بالاحتفاظ بالملاحق عبر الإنترنت،لأن هذا الإجراء سيوفر ملايين الدولارات من خلال توفير الورق،والاستغناء عن المحررين العاملين بالقطعة•ربما يبهج هذا الخبر الأشخاص المناصرين للبيئة،اذ ستُترك غابات شاسعة من الأشجار سليمة ومعافاة  دون أن يتم قطعها للحصول علي الورق،لكنه لن يبهج العاملين في الصحافة علي الإطلاق . وبعيدا عن الغوص في الحديث عن البيئة، وإذا كانت الصحافة العالمية تعاني  هذه النتائج،ولم توارب في الكشف عن أوضاعها المالية غير المستقرة،فمما لا شك فيه أيضا أن الصحافة العربية لن تكون أفضل حالا•لكن في حسبة بسيطة ومع الأخذ بعين الاعتبار أيضا الأزمة المالية التي طالت الاقتصاد العالمي كله،فإن التكلفة التي تتطلبها المطبوعات الورقية هي أعلي بكثير من التكلفة الإلكترونية،وهذا بدوره سيؤدي تدريجيا إلي القضاء علي الصحف الورقية وتحولها إلي اصدارات إلكترونية . أما بالنسبة للمواطن العربي المتوسط الدخل -تحديدا- وعلي الرغم من أن خطوة التحول هذه من الورقي إلي الإلكتروني قد تأخذ زمناً أطول بسبب “الأمية التكنولوجية” في العالم العربي ،فإن هذا التحول سيزيد من عزلته الثقافية أكثر وأكثر،فإذا كان المواطن العربي يعاني في الحصول علي  المعرفة الورقية البسيطة عبر الجرائد،بسبب تدني مستوي الدخل،فكيف ستكون حاله لو أن الإنترنت صار الطريق الوحيد للحصول علي المعلومات•إذ تفيد الدراسات أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي تجاوز الـ15 مليون مستخدم عام 2006(ستة ملايين منهم في مصر)، وقد يصل عددهم إلي 25 مليون في نهاية 2009،وهذا العدد يعتبر عدداً قليلاً جدا مقارنة مع إجمالي مستخدمي الإنترنت عبر الشبكة العالمية .   صراع البقاء بين الصحافة المطبوعة التقليدية والإلكترونية الحديثة والمتغيرة مضمونا وأسلوبا قد بدأ دون شك،واعلان صحيفة عريقة مثل النيويورك تايمز عن هذا التحول ليس بالأمر العابر•من هنا ينبغي أيضاً علي العاملين بالصحف الورقية التنبه إلي أنهم يعملون في مهنة  تسير في سبيلها إلي الانقراض،لأنهم سيصبحون مثل صُناع الطرابيش، الذين عفي الزمن وولي عن مهنتهم . إذ تشير  الدراسة ذاتها إلي أن اختفاء الصحافة الورقية قد يحدث خلال أربعين عاماً،لأسباب أهمها :منافسة وسائل الإعلام الأخري،وارتفاع نفقات الطباعة•يبدو أنه لن يمر وقت طويل حتي نقول :باي .. باي .. ورق .

د. لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى