إنها لندن يا عزيزي

 

 

وصلت أحداث الشغب إلى لندن ولم أجد عنوانا أفضل للمقال من ” إنها لندن يا عزيزي” بالإذن من صاحبة العنوان الروائية حنان الشيخ التي لها رواية بهذا الاسم، تحكي فيها عن مجموعة من الشخصيات تتشابك مصائرهم تحت سماء لندن.

بدت أخبار الاحداث الدامية في لندن مثيرة للحزن  والرعب في ذات الوقت.  حرائق مشتعلة  في العديد من المحال التجارية، في منطقة “كرويدون” جنوبي لندن، حيث مقر وزارة الداخلية البريطانية.  مشاهد تعرضها الشاشة  وتبعث على الألم الشديد، بائعة بولندية تم تصويرها وهي تقفز من مبنى يحترق، طالب ماليزي تم تصويره أيضا وهو يتعرض للسرقة بالاكراه بعد ضربه وانتشر هذا التصوير على اليوتيوب، محلات تحترق، وأناس يتدافعون في الشوارع بفزع، وفرق الإطفاء تركض لإخماد النيران.

المسؤولون ألقوا  باللائمة على عصابات إجرامية قامت بمهاجمة قوات مكافحة الشغب في منطقة “هاكني”، شرقي لندن، وأظهرت مقاطع فيديو مجموعة من الشباب الملثمين يقذفون عناصر الأمن بالزجاجات الحارقة، ويدمرون سيارة للشرطة ويحطمون نوافذ المحال، التي تعرض بعضها للنهب، فيما رئيس الوزراء البريطاني يتوعد الفاعلين قائلا لهم بحزم : ” “إذا كنت راشداً بما يكفي لارتكاب مثل هذه الجرائم، فأنت بالغ بما يكفي لمواجهة العقوبات.”

كان التساؤل الأول عن هوية الفاعلين، وهل ما حدث نتيجة  أعمال ارهابية أم لأسبب أخرى.  جاءت بداية العنف من  حي توتنهام شمال لندن إثر تظاهرة نفذها أبناء المنطقة احتجاجاً على مقتل شاب في الـتاسعة والعشرين من عمره  خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، ثم  امتدت أعمال العنف التي شهدتها لندن إلى مدينتين إنكليزيتين جديدتين هما برمنغهام (وسط لندن) وليفربول (شمال غرب العاصمة)، ووصلت فاتورة أعمال الشغب خلال أيام ثلاثة إلى  مليون جنيه استرلينى .

لكن ما بدا  جديرا بالتوقف هو اعتبار البعض أن ما يحدث في لندن يشبه الثورات العربية، ومما يتناقله مستخدمو المواقع الاجتماعية الهتافات التي بدأت “فرضيا” تنتشر في شوارع بريطانيا، فـ”ثوار لندن” يهتفون بهتافات مثل:

كلنا روبن هود.. ولندن لنا ستعود.

– الكاثوليك عالفاتيكان.. والإسلام عالباكستان.

فيما كتب أحد المشاركين على الحائط الخاص  بصفحته في الفيسبوك  كلمات مستوحاة من خطاب القذافي “استعدوا أيها اللندنيون لتطهير لندن.. هاوس هاوس.. روم روم.. ستريت ستريت.. كورنر كورنر.. حتى تتطهر لندن من الباد بويز.. ومن الراتس.”

أما من الطرف الآخر، أي من أهل لندن فقد ظهرت عبارات مثل “اللعنة على الاجانب…” و هي رسالة كتبها  أحد الأشخاص على صفحته في  موقع تويتر حين انتشرت اخبار عن تجمع أتراك وأكراد في شوارع شرق لندن للدفاع عن متاجرهم ومقاهيهم في مواجهة أعمال السلب والنهب.

ما حدث يُعتبر أسوأ أعمال شغب وعنف وتخريب شهدتها انكلترا منذ عقود، فجأة خلال أيام قليلة تفجرت  كل التوترات الاجتماعية وربما العرقية،  انتشرت الشرطة بسرعة في لندن ، ووصل عددها إلى 16 ألفاً بدلاً من 6 آلاف ، وستبقى في شوارع العاصمة  حتى اخماد موجة الشغب وعمليات الحرق العمد والنهب والتخريب، والخبر الأغرب أن رئيس الوزراء يدرس احتمال نشر قوات من الجيش، فيما مصدر حكومي  ذكر أن بريطانيا تبحث إمكانية تعطيل شبكات التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل عبر الإنترنت مثل خدمات رسائل بلاكبيري وموقع تويتر خلال أوقات الاضطرابات، وذلك بعد أن أثبتت  الشرطة أن  شبكات التواصل الاجتماعي كان لها دور  في التنسيق لعمليات نهب خلال الاضطرابات.

يبدو من المستغرب أن تقوم بريطانيا بمثل هذه التدابير، التي لم تنتج عنها في تجربة  الثورة المصرية- حين تم قطع الإنترنت أو شبكات التليفونات المحمولة- سوى زيادة أعداد المتظاهرين، وتزايد عدد الجموع الغاضبة ،والشعور العميق بعدم الرضا، ذلك الشعور الذى دفع المتظاهرين فى المقام الأول للنزول للشوارع، والقيام بأعمال عنف.

ومع الفرق التام  بين ثورات الشعب العربي التي قامت ضد الفساد والظلم ، وبين وأعمال الشغب في لندن، فمن المؤكد أن هناك ما يغلي تحت سماء مدينة الضباب، أزمات إقتصادية، وصراعات عرقية ودينية، فقر، وتهميش اجتماعي، كل تلك الأسباب بدت مثل بركان خامد، نيرانه غافية وقابلة للاشتعال في أية لحظة.

  د . لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى