كورونا وعرش الورق

 

الكثير من تفاصيل الحياة باتت تتم عن طريق الإنترنت. التسوق، الحجز للسفر، قراءة الصحف والكتب، مشاهدة المسلسلات والأفلام. بمعنى آخر لقد دخلت التكنولوجيا عالمنا من باب واسع، لا سبيل لإغلاقه، وهذا أصبح أكثر حضورا بعد أن اجتاح الحياة وباء عالمي مثل ” كورونا”، جعل الوسيلة الوحيدة لتواصل البشر مع بعضهم البعض، ومع العالم الخارجي هو ” الانترنت”. ماذا يعني هذا، أو ما تأثيره المباشر على مهنة الصحافة والكتابة عموما؟

تهدد التكنولوجيا عرش الصحف والكتب المطبوعة، إذ بات القراء الإلكترونيين يتخلون عن الكتب الورقية لصالح الكتب الإلكترونية ذات الكلفة الزهيدة، والحمل الخفيف. وهذا الكلام نجده يتوسع في كل أنحاء العالم، في أميركا وأوروبا كما في العالم العربي، لأن وصول الكتاب الإلكتروني، والكتاب المسموع أصبح بعد أزمات السفر والشحن والانتقالات أكثر سهولة من وصول الكتاب المطبوع. إلى جانب أن العديد من الدول أوقفت طبع الصحف الورقية خلال أزمة كورونا، خوفا من انتشار العدوى، واكتفت بالاصدار الإلكتروني، مما أزعج شريحة كبيرة من القراء التي اعتادت شراء الصحيفة الورقية، وأجبرها على اكتشاف وسائل أخرى للمعرفة، بمعنى آخر الاعتراف بضرورة زوال الأمية التكنولوجية، ومحاولة التعلم من جديد.

***

في دراسة أعدها مركز “بوكر” لخدمات النشر والمؤسسة المحدودة لتسويق الكتب يكشف أن القراء الأمريكيين والبريطانيين يغريهم المحتوى المجاني  الذي يدفعهم نحو اقتناء الكتب الإلكترونية. ويرى  15٪ من الذين شملهم البحث أن سهولة التحميل من مواقع البيع المختصة هي الدافع الرئيسي لشراء الكتاب الإلكتروني، أما نسبة 23% فرأت أن الدافع هو رخص ثمنها مقارنة بالمطبوعة، والنسبة نفسها تلجأ إلى الكتب الإلكترونية لعدم استحواذها على مساحة في المنزل، يكفي أن تضع مئات الكتاب على جهاز صغير أو على الكمبيوتر بدل وجود مكتبة ضخمة تحتل الجدران، كما أنها صديقة للبيئة ولا تتعرض للتلف بسهولة، ويمكن استعادتها لو تم تحميلها على احدى العناوين الإلكترونية.

لا تبدو الأمور منتشرة على هذا النحو في عالمنا العربي رغم زحف الكتاب الإلكتروني ووجود العديد من المنصات لبيعه، إلا أن قارئ الكتاب الإلكتروني مازال يتحسس طريقه في هذا العالم، حيث ينقسم القراء إلى نوعين، الأول هو النوع التقليدي الذي مازال رافضا للتحولات العصرية السريعة التي تحدث من حوله، ومن ضمنها التخلي عن الصحف المطبوعة والكتب الورقية. أما النوع الثاني فهو النوع المدرك أن التغيرات العصرية من حولنا تحدث بسرعة تفوق قدرتنا على الاستيعاب، بالتالي فإنه يمرن عقله على قبول التحولات. مع الإشارة إلى أن تواضع نسبة عدد مستخدمي الإنترنت العرب قياساً إلى العدد الإجمالي للسكان في الوطن العربي، ووجود ضعف في البنية الأساسية لشبكات الاتصالات، يؤدي إلى تأخير تحقيق هذا الهدف.

لعل التأمل في ما حدث حولنا منذ غزو : كورونا” للعالم، ينبهنا إلى ضرورة التأقلم مع كل ما يستجد في الحياة، حيث أصبح التعليم عن بعد، والعمل عن بعد، والمنصات الإلكترونية بديلا للسينما والمسرح، وبرامج الاتصال الحديثة تعوض البشر عن اللقاءات الإجتماعية، كل هذه تغيرات لا يمكن أن نغفل عنها، فلا عجب ان يطال التحول أيضا الكتاب المطبوع ليتراجع دوره مقابل الالكتروني.

د.لنا عبد الرحمن

جريدة” صوت البلد”

 

زر الذهاب إلى الأعلى