لنا عبد الرحمن: بيروت بطلتي الدائمة

 

لنا عبد الرحمن كاتبة لبنانية شابة استطاعت بسنوات قليلة ان تتخذ لنفسها مكانة في عالم الأدب والصحافة صدر لها كتابان الأول كتاب نقدي بعنوان شاطيء آخر وهو عبارة عن مقالات نقدية في الرواية والقصة القصيرة والثاني مجموعة قصصية بعنوان أوهام شرقية صادرة عن وكالة الصحافة العربية في القاهرة ،وتنشر مقالاتها في الصحافة العربية ، لنا عبدالرحمن متزوجة من الكاتب المصري خالد غازي وتعيش في القاهرة وتأتي بين فترة وأخري الي بيروت لزيارة الأهل والأصدقاء وقد التقيتها في بيروت وكان معها هذا الحوار:

 

– بداية لماذا عنوان مجموعتك أوهام شرقية وهل له علاقة بوضع المرأة الشرقية؟

الإنسان هو الإنسان سواء في الشرق أو الغرب لكن المرأة الشرقية تحديدا لها أوهام خاصة بها والتي هي وليدة المجتمع من كبت وقمع وأوهام التحرر الكاذب والضغط الاجتماعي والمادي والقمع الذكوري والنظام الأبوي الذي ينقلها من سلطة الأب الي سلطة الزوج، فالمرأة الشرقية غير محررة داخليا حتي ولو كانت تعمل ولها دخلها الخاص ، وتختلف عن المرأة الغربية وما أقصده بالمرأة الشرقية لا يخص المرأة العربية فقط بل المرأة في الشرق بشكل عام حيث وضع المرأة متشابه فيه، ونحن في العالم العربي استطاعت المرأة في آخر عشر سنين ان تنال بعض حقوقها مثلاً في مصر نالت حق الخلع، وحق منح الجنسية لأبنائها، وهذه تعتبر مزايا ومكاسب مهمة استطاعت المرأة الحصول عليها، لكن لبنان في ظاهره المرأة متحررة ودعيني أحدثك عن وضع المرأة في لبنان بعيدا عما تصوره الفضائيات والإعلام فالوضع مغاير تماما وما نراه علي الشاشات يمثل 10% من المجتمع ولا أحد يلتفت الي وضع المرأة اللبنانية التي تعاني من مشاكل مادية لتأمين أقساط المدرسة ومساعدة زوجها في مصاريف العيش، وكذلك المرأة المناضلة التي عانت في أيام الحرب والاحتلال الإسرائيلي ، لا يوجد تركيز علي هذه الصورة للمرأة اللبنانية وكل ما يصور هو المرأة الدمية التي تدخل في لعبة الإعلام الجسدي الغرائزي ونتجاهل الأم الجنوبية التي تزف ابنها للاستشهاد او المرأة التي تعمل خارج وداخل منزلها لتعيل الأسرة.

 

– الدعوات التي تطلق والمؤتمرات التي تقام باسم حقوق المرأة. هل تهم المرأة العادية او تهتم لها او أصلا تسمع عنها؟

طبعا لا ، وسأجيبك علي هذا السؤال بنقطتين أساسيتين ، النقطة الأولي يتمحور حول دور القراءة والذي أصبح هامشيا لأن الناس لا تقرأ ولا يتم الترويج للمبدعين كما يتم الترويج لثقافة الهبوط من برامج الواقع والأغاني الهابطة فنيا وتظل هذه الإبداعات مقتصرة علي نخبة من المثقفين وقلة من المتعلمين البعيدين عن الجو الأدبي وهذا العزوف عن القراءة ناتج عن الجو الاقتصادي الخانق لأن سوق الكتب سعره مرتفع فمثلا ثمن الكتاب في لبنان يتجاوز ال5 دولارات فمابالك حين يصل ثمن الكتاب الي عشرة وعشرين دولارا اضافة الي إهمال الدولة وعدم اهتمامها بالمكتبات العامة وإهمال الترويج الثقافي الذي يحرض علي القراءة. أما النقطة الثانية ان المرأة العربية ليست هي فقط المرأة التي تعيش في المدينة ، علينا التساؤل أيضا عن المرأة التي تعيش في الضواحي والقري : هل أثرت دعوات حقوق المرأة علي أسلوب حياتها؟ الجواب قطعا لا لأنها لا تزال تحت تأثير سلطة الرجل وأبسط مثال انها في كثير من الأحيان تتعرض للضرب والإهانة من زوجها وتكتفي رغم تعاستها بالعيش معه حفاظا او خوفا من الطلاق ووقع كلمة مطلقة داخل المجتمع.

بالنسبة لي أري ان الجيل القادم جيل أبنائنا قد يصل الي الانفتاح والتحرر ونيل الحقوق وبالتالي الاهتمام بمسائل المرأة وقضاياها.

 

– تحدثت عن أزمة سعر الكتاب بالنسبة للقاريء. ماذا عن أزمة الكاتب وخصوصا الكاتب الجديد وأول عمل له مع دور النشر؟

تلك قضية كبري ومعاناة ومأساة بالنسبة للكاتب وخصوصا العمل الأول حيث يعاني الأمرين نتيجة تحكم مقاييس معينة تتخذها دور النشر منهجا لها وهي البحث عن الكاتب الذي يستطيع دفع ثمن اسم دار النشر الكبري والتي أصبحت تشبه دور الأزياء العالمية ويتم التعاطي بمبدأ التباهي ومن يدفع مبلغاً أكثر يتم قبول نصه فمثلا أكثر دور النشر الكبري في بيروت والمشهورة جدا لا تحاكم النص بناء علي مضمونه بل علي القيمة المادية الهائلة التي يدفعها الكاتب وإن لم يكن الكاتب ثريا أبا عن جد من أين له مبلغ (3 آلاف دولار وما فوق) ليدفعها لدار النشر فالكاتب بالنتيجة وخصوصا المبتديء إما ان يكون معلماً في مدرسة او صحفياً او موظفاً عادياً وأنت تعرفين ان هذه المهن لا تدر الأموال وأعرف الكثير من الكتاب الجدد أنهوا عملين وثلاثة ولا توجد دار نشر تقبل ان تنشر لهم بتحمل نصف التكاليف وهذا الوضع ليس في بيروت فقط بل في القاهرة أيضا. بالمجمل دور النشر تتساهل مع الكاتب المعروف او الكتابات التي تكسر التابو وتركز علي الجنس او تهاجم الدين، ولكنها قلما تفتح أبوابها للكتاب المبتدئين.

 

– لنعد الي مجموعتك القصصية عادة الكاتب يصدر مجموعته القصصية تمهيدا لإصدار رواية هل أنت كذلك وهل ستتخلين عن القصة القصيرة؟

لن أتخلي عن القصة القصيرة فهي أشبه بفكرة سريعة ولا تحتاج لشرح طويل وفصول روائية وأنا الآن بصدد إصدار مجموعة قصصية ثانية ستصدر آخر هذا العام بعنوان : الموتي لا يكذبون إضافة الي صدور عملي الروائي الأول بعنوان : حب أقل .

 

– أنت من جيل الكتّاب الشباب ومتابعة للقصة والرواية هل ترين ان هذا الجيل مقلد لما سبقه أم يؤسس لنمط جديدة في الكتابة؟

أري ان هذا الجيل يؤسس لأسلوب كتابي جديد في الأدب العربي فنحن جيل ال 2000 نشأنا في عصر الفضائيات والانترنت والعولمة والفكر الشبابي مشبع بهذه التقنيات الجديدة والتي أثرت في أسلوب الكتابة. قبل دخول الانترنت علي العالم العربي كان الاطلاع علي الآداب والثقافات الأخري مقتصرا عبر الكتب التي تصلنا وتكون محدودة بينما الآن لدينا مجالات واسعة وهذا بالتأكيد سيؤثر علي النتاج الأدبي الجديد ونوعيته والتي لا يشترط ان تخضع للطرق المألوفة في الكتابة لذلك نري الآن نصوصاً غير مألوفة من قبل لا يتقبلها النقاد وبالتالي تتعرض للهجوم من قبلهم، إضافة الي ميزة أساسية في جيلنا فقد وجدنا منافذ لكتاباتنا عبر نشرها في المواقع الثقافية الموجودة علي الانترنت إضافة الي مراسلة الصحف الورقية أصبح أمراً سريعاً وذلك عبر الإيميل وبالتالي هذا يسهل في إيصال ابداع الكاتب للقراء وأنت تعرفين ذلك لأنك من كتّاب الانترنت المعروفات وبالتالي نحن جيل أصبح معروفاً ليس عبر كتاب مطبوع ورقيا ولكن الكترونيا ولكل جهات العالم.

 

– هذا النمط الجديد في الكتابة سيؤدي الي أسلوب نقدي جديد أليس كذلك؟

بالتأكيد فهذه الكتابات تحتاج لأسلوب نقد جديد لا يخضع للمعايير النقدية القديمة ويراعي الأساليب الحديثة في النصوص الجديدة فعلي سبيل المثال مصطلح الايميل والانترنت وغيرها من المصطلحات التي لم يتم تعريبها دخلت علي اللغة وتكتب ويستخدمها الكتاب في نصوصهم الآن وهذا ناتج عن التفاعل مع معطيات العصر المفتوح علي بعضه.

 

– التنقل بين القاهرة وبيروت وهما عاصمتا إبداع في العالم العربي ماذا أضافا لك؟

القاهرة مدينة ساحرة وكبيرة جدا وعندما ذهبت إليها لأول مرة وجدتها مجموعة من المدن تضمها مدينة واحدة هي القاهرة ، فالقاهرة تضم عوالم كثيرة للكاتب تحديدا حيث تغريه باكتشافها ومراقبة التفاصيل وتحرض قلمه للكتابة الروائية. أما بيروت فهي العلاقة مع رحم الأم ودائما يأخذني الحنين إليها ، الي شوارعها ، الي مقاهي الرصيف في شارع الحمرا و مستقبلا أفكر بكتابة عمل روائي يضم القاهرة وبيروت بين دفتيه.

 

– هل هذا الحنين لبيروت هو الذي جعلها تبدو في مجموعتك القصصية كبطلة رئيسية لأغلب القصص؟

نعم بيروت هي بطلتي الدائمة وان كانت تظهر بأسماء أخري لنساء او لرجال لكن هم يشبهونها جنونا وهدوءا وحزنا وفرحا وفوضي وصخباً وصمتاً لم أستطع الانعتاق من بيروت رغم محاولتي

* نشر بجريدة ( الراية ) القطرية

رحاب ضاهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى