لنا عبد الرحمن: لست مشغولة بالشهرة بل مشغولة بتجويد ما أكتب

 

 

 

بعد إصدارها مجموعتين قصصيتين “أوهام شرقية” و”الموتى لا يكذبون” وكتاباً نقدياً “شاطئ آخر .. مقالات في القصة العربية” صدر للكاتبة اللبنانية المقيمة بالقاهرة رواية جديدة تحمل عنوان “حدائق السراب” .. حول تجربتها الروائية الجديدة، وأعمالها القصصية .. التقيناها في هذا الحوار:

 

> بعد إصدارك كتاباً في النقد، ومجموعتين قصصتين، صدر لك هذا العام رواية ” حدائق السراب ” لماذا هذا التحول نحو الرواية؟

– ليس هو بتحول، ربما كان هذا الطريق الأساسي الذي كان عليَّ أن أنتهجه منذ البداية، لكنني كنت أحتاج لمزيد من الوقت والجهد، وكنت كلما انتهيت من الرواية أعود إليها لألغي وأضيف بعض المقاطع، هكذا في كل مرة، حتى وصلت لشكلها النهائي هذا وعرفت أنني إن لم أدفع بها للنشر سأظل أكرر الخطوات نفسها، وسأظل مترددة في النشر.

 

> هذا التردد هل هو السمة العامة لكتابة الرواية؟ أعني هل هذه الخطوات ذاتها تحدث معك عند كتابة القصة القصيرة؟

– أظن أن الرواية الأولى تحديداً تصيب الكاتب بحالة من الخوف والتردد لأنه يرغب أن يضع فيها كل إبداعه وطاقاته على صناعة فن متكامل في زواياه الفنية، كما أن الرواية تضعه أمام مسؤولية أكبر، تختلف عن المجموعة القصصية، لأن القصة القصيرة تتضمن تقنيات مختلفة في الكتابة، وأيضاً قد تتضمن المجموعة القصصية عدة أفكار، لذا يختلف حكم القارئ حول القصص، لكن الرواية يصدر عليها حكماً شمولياً كنص متكامل.

 

> الحديث عن القصة والرواية يستدعي سؤالاً آخراً حول مجموعتك” الموتى لا يكذبون ” فمن الملاحظ وجود اختلاف على مستوى الموضوعات المتناولة وأيضاً على مستوى تقنيات الكتابة عن مجموعتك الأولى “أوهام شرقية”؟

– “أوهام شرقية” تضمنت ملابسات أكثر قرباً للواقع، تضمنت تقديم تجارب إنسانية ورصد لقضايا المرأة، في “الموتى لا يكذبون ” كنت مشغولة بنسج حكايا بين الخيال والواقع، كنت مأخوذة بالكتابة عن الإنسان من الداخل، عن موضوعات تتأرجح ما بين الهذيان والحقيقة، مما استلزم العمل على تكثيف اللغة والعناية بها لأقصى درجة.

 

> إذن كان هناك وعي في بناء اللعبة الفنية في “الموتى لا يكذبون”، لكنك تحدثت أيضاً عن اللغة، فهل أنت من الكتاب الذين يعتقدون أن العمل الأدبي ينبني بالمقام الأول على اللغة؟

– لا أستطيع أن آخذ أحد الحدين في الإجابة على هذا السؤال، أنا ” شغوفة ” باللغة فعلاً، لكن لا أستطيع أن أتحيز لها تحيزاً تاماً على حساب باقي العناصر الفنية الأخرى، أحياناً أرى أن الموضوعات مبذولة للجميع، كما أن الأفكار عولجت وكتبت من قبل، ما يظل جديداً هو أسلوب الكتابة، وطرق معالجة النص، والاسلوب يعادل اللغة، كثيراً ما تصادفين نصوصاً قوية من حيث الإمساك بناصية الفكرة والأحداث لكنها ضعيفة على مستوى اللغة، حينها لا يمكنني أن أشعر بجمالية النص، في جانب آخر هناك نصوص تتضمن عناية مبالغ بها في اللغة على حساب الحدث وسائر العناصر، هذه النصوص تولد متعة وهمية خلال القراءة وإحساساً بالفراغ بعد الانتهاء منها .

 

> بالعودة للحديث عن روايتك ” حدائق السراب “” تبدو الملاحظة الأساسية في النص تضمن الرواية أجواء حرب بيروت رغم أنك لا تنتمين لجيل الكتاب الذين عايشوا الحرب كيف تمكنت من الكتابة عن هذه المرحلة؟

– كتبت عن أجواء ما بعد الحرب أكثر مما كتبت عن الحرب نفسها، إنها المرحلة التي تفتح عليها وعيي واختزلتها ذاكرتي والرواية تضمنت شخصية البطل الرئيسي ” جاد ” الذي عانى من الحرب ومن الأحداث المروعة التي مر بها لبنان، وهناك أيضاً شخصيات تعاني من حروبها الخاصة ” سيف ” الطيار العراقي الذي غادر العراق ليحارب في جنوب لبنان، و” معتصم ” الفلسطيني الذي فقد ساقه خلال قتاله في صفوف الثورة الفلسطينية، إنهم أبطال عثرت عليهم خلال الكتابة ووجدتهم يصرخون مطالبين بالحياة من جديد .

 

> لكن ألم تؤد هذه الشخصيات الكثيرة، والأحداث المتداخلة إلى إدخال القارئ في تساؤل حول القصة الرئيسية في الرواية، القصة التي ابتدأ منها النص، وهي قصة الحب بين البطلين؟

– ربما أنا لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال الآن، إذ لم تفصلني فترة زمنية طويلة عن النص، في هذه اللحظة أستطيع أن أجيب بالقول إنني لا أجد أية شخصية أو حدث يؤدي للابتعاد عن الخط الاساسي في النص، فالرواية كلها لا تتجاوز 120 صفحة، لكن ربما بعد مرور أعوام تكون لديَّ رؤية مختلفة، أظن أن الكاتب يندم في ما بعد على كثير مما كتبه .

 

> أقصد تحديداً أن النص تضمن قصة حب شفيفة ورومانسية نوعاً ما، كيف تمكنت من المواءمة بين سرد حكايات الحرب وبين الخط الأساسي للنص أي قصة الحب؟

– كثير من الأشخاص وجدوا قصة الحب رومانسية رغم أنني لم أجدها كذلك على الإطلاق، في الحقيقة إن شخصية البطلة القادمة من الجبل إلى المدينة والتي ما زالت تواجه حقائق الحياة بفطرتها الأولى اقتضت وجود بعض البساطة في نسيج شخصيتها لكنها ليست رومانسية، أنا لست ضد الرومانسية، لكن فعلاً لم ألتفت إليها خلال العمل على بناء الرواية، إنني أحكي قصة أول تجربة حب وجنس في حياة فتاة ما بكل ما في هذه التجربة من تناقضات ومن ألم وفرح .

 

> رغم إقامتك الدائمة في القاهرة فإن بيروت كانت بطلة في مجموعتك “أوهام شرقية” و “الموتى لا يكذبون” وروايتك “حدائق السراب”؟

– نعم بيروت بطلتي الدائمة وإن كانت تظهر بأسماء أخرى لنساء أو لرجال لكنهم يشبهونها جنوناً وهدوءاً وحزناً وفرحاً وفوضى وصخباً وصمتاً لم أستطع الانعتاق من بيروت رغم محاولتي … ولا شك في أن القاهرة مدينة ساحرة وكبيرة جداً وعندما ذهبت إليها لأول مرة وجدتها مجموعة من المدن تضمها مدينة واحدة هي القاهرة، فالقاهرة تضم عوالم كثيرة للكاتب تحديداً، حيث تغريه باكتشافها ومراقبة التفاصيل وتحرض قلمه على الكتابة الروائية، أما علاقتي ببيروت فهي العلاقة مع رحم الأم ودائماً يأخذني الحنين إليها، مستقبلاً أفكر في كتابة عمل روائي يضم القاهرة وبيروت بين دفتيه .

 

> اتجهت مؤخراً نحو الترجمة وتعملين في الصحافة، ما تأثير ذلك على كتابتك؟

– شغفي بالترجمة نشأ حديثاً منذ عامين تقريباً عندما صرت أقرأ نصوصاً إنجليزية، تتضمن تقنيات جديدة في الكتابة، وأفكاراً مختلفة عن المألوف في كتاباتنا، رغبتي في نقل هذه النصوص إلى اللغة العربية دفعتني إلى تحويل مساري من إكمال الدراسات العليا إلى التفرغ لدراسة الترجمة، فهناك لذة معينة يمنحها النص المترجم لحظة بلورته إلى لغة أخرى، ثم خروجه إلى النور يمنحها ذاك الإحساس بالمشاركة، وإن كانت ضئيلة، في إيقاد عود ثقاب لرؤية أشياء مجهولة .

أما عن العمل الصحفي فأظن أن معظم الكتاب الذين يمارسون العمل الصحفي يشكون من سرقة الالتزام اليومي في الصحافة لحياتهم الإبداعية، الجميع يحلم بالتفرغ للكتابة ويظل يؤجل هذا المشروع، لأنه لا يقدر على تنفيذه، قلة هم الكتاب الذين يتمكنون من الموازنة بحيث لا تلتهم الصحافة الإبداع، بالنسبة لي هذا هاجس يومي يدفعني إلى تهريب ساعة أو ساعتين من اليوم أعود فيها للملفات المتناثرة على سطح جهاز الكمبيوتر، أعبث في هذه المشاريع المفتوحة على أمل الانتهاء منها قريباً .

 

> ألم تسألي نفسك .. لماذا تكتبين؟

– الكتابة تمنحني متعة خاصة لا يمنحها لي شيء آخر .. من دونها أحس بجفاف داخلي ونضوب، لذا أوصل الكتابة استجابة لظمأ ذاتي، لست مشغولة سوى بالعمل على إنجاز نصوص إبداعية تمكنني من تقديم رؤيتي للحياة وللعالم من حولي، فأنا أؤمن بمقولة ” ماركيز ” :” إن كنت تستطيع أن تحيا من غير الكتابة فلا تكتب” فالكاتب الحقيقي الكتابة تعادل وجوده الحياتي، لذا أنا أكتب.

الأحد – 9 – يوليو – 2006

 المحرر الثقافي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى