لنا عبد الرحمن بعد صدور روايتها الأولي حدائق السراب : العوالم الباطنية تجتذبني للكتابة
تجتهد القاصة والروائية اللبنانية المقيمة في القاهرة لنا عبد الرحمن في ترسيخ تجربتها الإبداعية والصحافية من خلال ما نشرته من كتب إذ اصدرت في مجال القصة : أوهام شرقية ـ قصص 2004، الموتي لا يكذبون ـ قصص 2006 ومؤخرا صدرت روايتها الأولي حدائق السراب ، وفي مجال المقاربات النقدية أصدرت كتابها شاطئ آخرمقالات نقدية ـ 2002، ولنا خريجة الجامعةاللبنانية (كلية الاداب) عام 1998، وقد حصلت منها علي دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية ـ ودبلوم ترجمة باللغة الانكليزية من الجامعة الامريكية في القاهرة، وقد عملت في القسم الثقافي بجريدة الكفاح العربي ومراسلة لوكالة الصحافة العربية ببيروت بداية من عام 2001 ـ وهي تعمل اليوم مدير تحرير القسم الثقافي في وكالة الصحافة العربية .
في روايتها الأولي حدائق السراب تغوص في عوالم داخلية لشخصيات لبنانية ما زال بعضها أسير اهوال الحرب الأهلية، أو الظروف الحياتية المحيطة، أو ربما أسري للطموحات المشظاة علي أرض الواقع، وتجد لنا عبد الرحمن الأسلوب المناسب، والتقنيات السردية المركبة التي تحاكي حياة شخصيات روايتها وتنسجم معهم، وهي أيضا نشطة في مجال الكتابة الصحافية والترجمات، وتشكل هذه التجارب روافد مهمة لتشكيل شخصيتها الثقافية وكتابتها الإبداعية. التقيتها في القاهرة خلال الشهر الماضي حيث تعمل وتقيم وكان هذا الحوار حول حدائق السراب وهواجسها الإبداعية:
– لنبدأ من روايتك الأولي الصادرة حديثا حدائق السراب فهل تعدينها تطورا لتجربتك القصصية أم هي حالة منفصلة ومقصودة أملتها عليك مشاغلك الإبداعية دون التخلي عن القصة القصيرة؟
حدائق السراب مكتوبة قبل المجموعتين،ربما لهذا السبب تبدو بعيدة عن نمط كتابتي للقصة القصيرة، انتهيت منها في عام 2001 وظللت أعدل عليها وابتعد واقترب منها طوال هذا الوقت، كنت مترددة كثيرا في نشرها، لكنها تنتمي لمرحلة معينة،لقد أحببت هذا النص، والأشخاص الذين عاشوا فيه لذا لم أرغب في أن أدفنهم الي الابد في أدراج مكتبي، أو أن أعيد إحياءهم في نص روائي جديد، رغبت في ان يبقوا مكانهم حيث ولدوا أول مرة.
– لاحظت في حدائق السراب أن الشخصية الأساسية لبنانية وترغب بكتابة رواية فإلي أي مدي يتقاطع الذاتي والبيوغرافي مع الروائي والمتخيل فيها؟
تعني الشخصية الأساسية الساردة أي ريما التي تظهر في الصفحة الأولي والصفحة الأخيرة فقط، وهي الساردة التي تقوم بفعل الكتابة منذ البداية، لكن دعني أوضح امرا، شخصية ريما رغم المساحة القليلة التي تشغلها في الحدث لكنها الخيط الأساسي الذي يمسك النص منذ لحظة البدء حتي النهاية، هي التي تنتقل بأساليب السرد، بين البطلين وبين الراوي الخارجي. خلال قراءة النص ربما يسبب هذا الأمر ارباكا للقارئ، لكن فيما بعد تتضح أهمية هذه الشخصية في تركيب الأحداث وتضفيرها والجمع فيما بينها.
– أما في ما يتعلق بسؤالك عن الذاتي والبيوغرافي ربما أكون تقمصت شخصية ريما لأكتب هذا النص.
إذن يمكننا القول أنك تعمدت اختيار هذه الطريقة المركبة في السرد، بعبارة أخري أري ان هناك بعض الانتقالات السردية المفاجئة في الضمائر ربما كان لا يحتاجها النص؟
الرواية تسرد عبر راو خارجي كلي يتابع الاحداث من الخارج ويعبث بها، ويطلق سراح الابطال ليتكلموا عن أحاسيسهم، حدائق السراب هي لعبة مرايا متجاورة في السرد، كل مرآة تكشف جانبا من الرواية وجانبا من خفايا الشخصيات والأحداث، لذا خلال الكتابة كان من الضروري التنويع في أساليب السرد تبعا للأحداث وزاوية الرؤية وما تسعي الي كشفه الشخصيات والي إخفائه، فالحدث الرئيسي ظاهريا هو علاقة الحب بين مخرج مسرحي وممثلة شابة،لكن جوهر النص هو مدينة بيروت خلال الحرب وبعدها، عبر الاستدعاء لشخصيات وتفاصيل ساهمت في التأثير علي نتيجة الحدث لا علي حاضره، إن اختلاف الذاكرة بين البطلين ادي لنشوء تصدع ما في العلاقة، صدع غير مرئي لأي منهما، بل مكتشف من قبل الراوي الخارجي للنص الذي يعمل علي تشكيل وسائل سرد مختلفة وفق كل حدث وذكري تعكس ظلالها علي سيرورة الاحداث الرئيسية، لعل اكثر ما أردت كشفه في هذا النص هو التحولات القيمية التي تطال البشر وتغير مسار حياتهم واختياراتهم. لذا وجدت خلال الكتابة أن متابعة السرد علي نفس الوتيرة لن تؤدي الي إيصال الصورة في بعض التفاصيل، مثلا شخصية البطلة سراب لا تحكي عن الحرب إلا من منظور اجتماعي لانها لا تمتلك رؤية سياسية معينة ولم تكن شاهدة علي الحرب، في الوقت الذي تشكل فيه الحرب ذاكرة البطل ويعيد ذكر تفاصيلها مع كل حدث. هذا الأمر ينطبق علي بعض الشخصيات الجانبية التي احتاجت لراو خارجي كي يحكي حكاياتها وأحلامها وهزائمها أيضا.
– بدأت الإبداعات السردية اللبنانية بالحديث عن الحرب ونتائجها طويلا فهل باعتقادك أن موضوعا طرق مطولا مثله يمكن أن يكون قابلا للاستفادة منه في الكتابات القصصية والروائية دون الوقوع في فخ التكرار أو الاجترار؟
الحرب أكثر سريالية من قدرتنا علي الكتابة عنها، دائما هناك أشياء لم تكتب بعد، ازدادت قناعتي بهذا الأمر بعد حرب تموز (يوليو) الأخيرة هذا العام التي استمرت 33 يوما، هذه الحرب التي شهدت جزءا منها كنت أعايشها بوعي كامل،الحروب الماضية مختزنة في ذاكرة الطفولة، والحكايات التي سمعتها. لذا أظن من الصعب علي أي كاتب لبناني أو عاش في لبنان أن لا يقترب في نصه من سيرة الحرب لأنها ومع الأسف دخلت في نسيج الذاكرة الجمعي للمجتمع.
– تكتبين القصة القصيرة وهناك مقولة من البعض تقول ان الرواية تبدأ كقصة قصيرة ثم ينسج منها عملا روائيا، ما تعليقك؟
ربما تكون هذه المقولة صحيحة بالنسبة للبعض،لكن بالنسبة لي حين أكتب تبدو لي الخطوط أكثر وضوحا في ما أريد كتابته،خاصة بالنسبة للرواية لأن عوالمها اكثر اتساعا، وشخصياتها تحيا حيوات متعددة لا يمكن ان تستوعبها قصة قصيرة.
– لو أردت أن تقدمي بشكل مكثف مجموعتيك القصصيتين (أوهام شرقية، الموتي لا يكذبون) للقارئ الذي لا يعرفهما وما الذي حققته فيهما فما الذي تقولين؟
في أوهام شرقية تحدثت عن أبطال لديهم أوهام داخلية تتحول الي قناعات تغير مسار حياتهم تبعا لوهم متخيل، هذه الاوهام تتمحور حول الرغبة في الهرب بعيدا رغبة في التخلص من الواقع، أيضا وهم المرأة في علاقتها بالرجل وتناقضات رؤيتها للاشياء التي تنتج عن غياب الوعي الحقيقي بالحياة. الانسان هو الانسان في كل مكان في كل مخاوفه وأهوائه تطلعاته ومساعيه لكن الشرق له أوهامه الخاصة التي تغزل مجتمعاتنا العربية. هذه الأوهام تولد حالة من الكوابيس والاحلام بعيدة عن المنطق تقود الانسان الي التفسخ وفقد العصارة الحقيقية لروحه.
في الموتي لا يكذبون هو عنوان القصة الاولي في المجموعة، وان كانت معظم قصص المجموعة تدور في اطار يتراوح بين السريالية والواقعية فان هذا النسيج السردي لم يكن مقصودا أثناء الكتابة بقدر ما كنت اعمل للكشف عن العوالم المتجاورة بين الخيال والواقع، لكل منا عوالمه الباطنية الخفية والغامضة وربما غير المتخيلة، هذه العوالم تجتذبني جدا للكتابة عنها، والكشف عن خباياها.
– لاحظت أنك انشغلت بالنقد مبكرا حيث احتفي كتابك شاطئ آخر ـ مقالات في القصة العربية بعدد من التجارب السردية العربية فهل ما زلت متورطة في النقد وما الذي يدفعك لذلك أساسا؟
فعلا ما زلت استمتع جدا لدي الكتابة عن عمل أدبي يحرضني علي اكتشافه، شاطئ آخر كان مجموعة من المقالات في الرواية والقصة العربية جمعتها في كتاب، ربما هي ليست نقدا بالمعني الأكاديمي للكلمة، لكن حين كتبتها كنت قد بدأت في مرحلة الدراسات العليا التي تختص بالنقد الأدبي، أي أن الدراسة كانت عاملا أساسيا وراء البدء بكتابة هذه القراءات، الان ابتعدت قليلا عن هذه الكتابة،منذ ما يزيد عن عام ونصف وجدت نفسي مهتمة بالترجمة، فأخذت مني الكثير من الوقت الي جانب الكتابة الابداعية والعمل الصحافي، النقد لا يتطلب مزاحمة، ويحتاج لكثير من الصبر والتبصر.
– بالمناسبة كيف تعامل النقد معك وإلي أي مدي نجح بالدخول إلي كتاباتك وقدمها للقارئ أي هل مر عليها مرور الكرام أم اللئام أم تجاهلها؟
هل ابالغ إن قلت اننا جيل من دون نقاد، لا أظن أن هناك دراسات نقدية علي كتابات الجيل الذي انتمي له ، هناك عرض صحافي للقصص والروايات، هناك ندوات تناقش بعض الأعمال، لكن ليس هناك نقد بالمعني الحقيقي،ربما لأن ملامح نصوص هذا الجيل لم تتشكل بعد، وربما لأن بعضها يتضمن أساليب كتابة حديثة تحتاج لمعايير نقدية تواكب حداثتها أيضا.
– ما الذي يمكن أن يفعله الادب وسط هذه القيم الاستهلاكية، وهيمنة ثقافة الصورة، وأي مستقبل ينتظره؟
فعلا منذ دخولنا في الميديا المرئية صارت الصورة تطغي علي الكلمة، هذا الامر بات ملحوظا حتي في الصحف والمجلات، وليس فقط عبر الشاشة. تراجع دور القراءة كثيرا عن السابق، امام ظهور وسائل للمعرفة والتسلية أسهل واكثر انتشارا، في المقابل لا يتم الترويج للابداع الفكري كما يتم الترويج للبرامج الفنية، ولو نظرنا الي البرامج التي تعني بالابداع عبر القنوات الفضائية لوجدنا نسبة ضئيلة جدا، ويساهم أيضا العامل الاقتصادي وقلة الوعي في عدم اقبال الناس علي القراءة، وبالتالي الكاتب العربي يكتب لجمهور لا يقرأ، وتظل دائرة القراءة محصورة بين الكتاب أنفسهم، والكاتب يكتب لمتعته الذاتية وليس لأمله في التغير، لكن رغم كل هذا سيظل للكتاب هالته الخاصة ورونقه الذي لا يزول.
– كيف تنظرين الي ترابط العلاقة بين الادب والفنون الاخري،وأثر ذلك في تكوينك؟
هل ينفصل الادب مثلا عن السينما؟ او عن الموسيقي؟ يوجد تضافر حيوي بين الادب وسائر الفنون، فالسينما تأخذ من الادب النص، والادب يلجأ للتقنيات السينمائية في الصورة والقطع والفلاش باك، بعض الاعمال الادبية تستدعي لحظة قراءتها مجموعة من الصور الحية وتركبها في لحظات قليلة. هذا ايضا لا يبتعد عن علاقة الفن التشكيلي في ألوانه وغموضه عبر تداخل الواقع بالخيال عن الكتابات السريالية التي تعيد تفكيك العالم وكتابته وفق رؤيتها الخاصة. لذا تظل علاقة الادب مع الفنون الاخري أشبه بالبيت المشترك ذي الأبواب المتعددة كل منها يقود للآخر.
——-
القاهرة ـ القدس العربي – 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2006،
يحيى القيسي