لنا عبد الرحمن: كتبت عن أوهام الرجل

 

 

 

انتبهنا الى الكاتبة اللبنانية المقيمة في القاهرة، من خلال مساهماتها الابداعية في اكثر من منبر ثقافي، خصوصا بعد إصدارها مجموعتها القصصية <<أوهام شرقية>>، التي تتناول فيها أوهاما تخالج المرأة في علاقتها بالمسافة او البعد عن موطنها وعلاقتها بالرجل والجنس وسواه. لنا عبد الرحمن تكتب بخصوصية مميزة. عن إصدارها هذا الحوار:

 

– كيف بدأ اهتمامك بالقراءة وبالكتابة تحديدا؟

أعتبر نفسي محظوظة لنشوئي في عائلة تهتم بالقراءة، أمي تحديدا منذ الطفولة كانت تشتري لي كتب <<المكتبة الخضراء>>، وتحرضني على القراءة دائما، ربما لهذا السبب ظلت علاقتي بالكتب وطيدة رغم انتقالنا بسبب ظروف الحرب بين دمشق، الجبل والبقاع، ثم بيروت مرة اخرى. ظلت هناك مكتبة في كل بيت كنا نسكنه.. هذه الالفة مع الكتب تحولها الى مخلوقات نبيلة تعيش معنا، لذا لم يكن أمامي في أيام البرد في الجبل، ثم في البقاع، سوى الاحتماء بالكتب هروبا من البرد والملل، كانت القصص تأخذني الى عوالم ساحرة وبعيدة، يخيل إليّ انها حلم وأنني لن أكتشفها في يوم من الأيام.. كتب إحسان عبد القدوس وجرجي زيدان والمنفلوطي وتوفيق الحكيم، ثم نجيب محفوظ والروايات الروسية احتلت جزءا كبيرا من مراهقتي قبل عودتي الى بيروت وانفتاحي على مجال أوسع للانتقاء، صار بمقدوري اختيار الكتب التي أحب وليس التي تتوافر في مكتبة بيتنا او مكتبة المدرسة، في هذه المرحلة انتقلت كتبي المنتقاة الى خانة المراقبة، إذ لا يمكن ل<<غادة الكاميليا>> و<<عشيق الليدي تشارلي>> ان يغفوَا بهدوء تحت وسادتي. كنت أترك الكتب التي أعلن في بيتنا عن مصادرتها تغفو بهدوء تحت السرير في الليل، ثم أضعها بين كتب المدرسة في النهار في مغامرة جسورة كي لا يتم اكتشافها لسبب او لآخر.

 

<<أوهام شرقية>> عنوان إصدارك، هل الأوهام تنحو برأيك الى ان تكون شرقية في الأساس؟

الشرق له أوهامه الخاصة، ولكي أكون أكثر تحديدا أعني الاوهام التي تغزل مجتمعاتنا العربية الشرقية، هذه الأوهام تولد حالة من الكوابيس والاحلام البعيدة عن المنطق التي تقود الانسان الى التسلخ وفقدان العصارة الحيوية لروحه، يصبح ضريرا وعاجزا عن إنماء الوعي الداخلي. لذا في <<أوهام شرقية>> تحدثت عن أبطال لديهم أوهام داخلية تتحول الى قناعات تغير مسار حياتهم تبعا لوهم آخر ليس حقيقياً، هذه الأوهام وهم الإقلاع بعيداً كما في <<ثلاث ساعات قبل الرحيل>> و<<صعود المطر>>، ايضا وهم المرأة عن الجنس وعلاقتها بالرجل، كتبت في قصص المجموعة أكثر من صورة مختلفة لكشف ربما أوهام الرجل عن علاقته بالمرأة أيضا.

 

– لذا كان معظم الأبطال مهزومين؟

ربما، لا أرى أنني ركزت على نماذج سلبية، لكنني كتبت عن اشخاص عاديين، كل منهم له هزيمته الخاصة او وهمه الذي منعه عن الاستماع للنداء القادم من أعماقه ليخرجه من الجليد والصخور التي يحيا بينها. إنهم اشخاص لا يهدأون ويشعرون بقليل او كثير من الضياع والانشطار.

 

– هذه الأوهام تتعلق بوضع المرأة اكثر، بمعنى هل تجدين ان المرأة اكثر تبعا للوهم؟

تحتاج المرأة الى استعادة وعيها الغريزي والفطري سواء كانت أماً او طالبة او فنانة. هذا الوعي هو الذي سيحرّضها بشكل ملح على استكمال أي مسعى طويل الأجل، لقد عاشت المرأة قروناً طويلة في غرس حضاري يكرس لكونها الكائن الأضعف وهذا غير صحيح. المرأة لها <<طبيعة>> خاصة وعليها الاعتراف بهذا الأمر والتصالح معه، دون ذلك ستظل <<هي>> كائناً هشاً وضعيفاً. إن قبولها لذاتها يجب ان يحمل قوة وبهجة واحتفاءً بالحياة يفوق اي ايديولوجيا او شعارات ترفع من اجل المرأة. في كثير من الأحيان نجد نساءً ريفيات لكنهن يتمتعن بوعي فطري وحدس يجعلهن يدركن امتلاكهن لجوهر مختلف.

 

– كيف ترين الى المشهد الثقافي في مصر أنتِ الكاتبة اللبنانية المقيمة هناك؟

ربما الحياة الثقافية في مصر اكثر نشاطا من غيرها من البلدان العربية وهذا أمر طبيعي بالنسبة الى القاهرة، لأنها مركز اساسي يستقطب كثيرا من الفعاليات، ولعل هذا النشاط الثقافي واضح في المهرجانات التي تقام من أجل الشعر أو الرواية، ايضا في حركة النشر النشطة مقارنة مع سائر البلدان، هناك العديد من الاصدارات والترجمات او اعادة طبع اعمال قديمة، وكل هذه الاشياء تعتبر محركا فعالا للثقافة، لكن على جانب آخر هناك غياب للمجلات الثقافية المختصة، وتقصير في الصحف اليومية في الاهتمام بالثقافة، هذه الاشياء تُضيّق مجالات النشر امام العديد من المبدعين.

 

– اتجهت مؤخرا نحو الترجمة وتعملين في الصحافة، ما تأثير ذلك على كتابتك؟

شغفي بالترجمة نشأ حديثا منذ عامين تقريبا عندما صرت أقرأ نصوصا انكليزية. تتضمن تقنيات جديدة في الكتابة، وأفكارا مختلفة عن المألوف في كتابتنا، رغبتي في نقل هذه النصوص الى اللغة العربية دفعني الى تحويل مساري عن إكمال الدراسات العليا والتفرغ لدراسة الترجمة. هناك لذة معينة يمنحها النص المترجم لحظة بلورته الى لغة اخرى، ثم خروجه الى النور. يمنحها ذاك الاحساس بالمشاركة، وإن كانت ضئيلة، في إيقاد عود ثقاب لرؤية اشياء مجهولة.

 

أما عن العمل الصحافي فأظن ان معظم الكتاب (الذين يمارسون العمل الصحافي) يشكون من سرقة الالتزام اليومي في الصحافة لحياتهم الابداعية. الجميع يحلم بالتفرغ للكتابة ويظل يؤجل هذا المشروع، لأنه لا يقدر على تنفيذه، قلة هم الكتاب الذين يتمكنون من الموازنة بحيث لا تلتهم الصحافة الابداع. بالنسبة إليّ هذا هاجس يومي يدفعني الى تهريب ساعة او ساعتين من اليوم أعود فيها للملفات المتناثرة على سطح جهاز الكمبيوتر، أعبث في هذه المشاريع المفتوحة على أمل الانتهاء منها قريبا.

 

– بمن تأثرت؟

ظللت لفترة طويلة متأثرة بكتّاب اميركا اللاتينية، ما زلت حتى الآن أعيد قراءة ماركيز وايزابيل الليندي، أحببت غادة السمان، وبعض أعمال حنا مينه. ايضا روايات إدوار الخراط وواسيني الأعرج.

 

بمناسبة الحديث عن الكمبيوتر، هل تجدين أنكم كجيل شاب يكتب قد تأثرت كتابتكم إيجابيا بعصر العولمة؟

في تقديري ان الكتّاب هم أكثر من استفادوا من هذه الفورة في عالم الانترنت والاتصالات، هناك توفير للوقت وللبحث، يمنحه الكمبيوتر سواء في الكتابة او في الحصول على معلومات، ايضا في التواصل الخارجي مع الآخرين سواء عبر الإيميل او عبر ارسال مواد للنشر الالكتروني او للنشر في الصحف المطبوعة. هذا الأمر لم يكن متوافرا قبل عشرة أعوام في عالمنا العربي، وبالتالي لا يمكننا تجاهل كل هذه التغيرات التي ستعكس نتاجها مستقبلا على أساليب الكتابة.

 

– لماذا تكتبين؟ السؤال الكلاسيكي الذي يلح الآن؟

حتى هذه اللحظة أسأل نفسي <<لماذا أكتب>> فلا أجد أي جواب سوى ان الكتابة تمنحني متعة من نوع خاص لا يمنحها اي شيء آخر، من دون الكتابة أحس بجفاف داخلي ونضوب، لذا أواصل الكتابة استجابة لظمأ ذاتي لا يرتوي.

 

– هل من مشاريع كتابات جديدة تحضرينها؟

انتهيت من رواية ومن مجموعة قصصية بعنوان <<الموتى لا يكذبون>> ستصدر في نهاية هذا العام.

——–

نقلا عن جريدة ( السفير ) اللبنانية 18/9/2005

  عناية جابر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى