صاحبة (الموتى لا يكذبون): القصة الناجحة تمتلك الذكاء للاحتفاظ بالقارئ للنهاية

 

 

لنا عبد الرحمن, كاتبة لبنانية مقيمة في القاهرة, ترصد الواقع الى جانب الخيال والحلم في جميع كتاباتها المشغولة بالحنين, تلك العاطفة المراوغة التي تخدع القارئ بأسلوب مخاتل, لتحكم القبضة عليه حتى نهاية القصة.

القاصة لنا دخلت معترك الصحافة والترجمة والنقد, كما خاضت التجربة الروائية, اذ أصدرت في مجال القصة: أوهام شرقية قصص ,2004 الموتى لا يكذبون قصص 2006 وروايتها الأولى حدائق السراب, وفي مجال المقاربات النقدية أصدرت كتابها شاطئ آخرمقالات نقدية ,2002 ورواية تلامس عام 2008 . (العرب اليوم)  التقتها على هامش مشاركتها في ملتقى عمان الثاني للقصة القصيرة, وكان هذا الحوار.

 

* كيف تنظرين الى مشاركتك في الملتقى الثاني للقصة القصيرة في عمان, وما رأيك في هذه الخطوة سعياً لتكريم القصة واثبات وجودها?

– الفن القصصي عانى في الفترة الماضية من التمجيد الكبير للرواية, الحاضرة بالموقف الأدبي اكثر, والجهود التي تبذل تُمكن القصة من مواكبتها, وهذا الحراك الهادف لازدهار القصة شيء رائع حقا.

من الخطأ أن نقول بوجود نوع أدبي يتغلب على نوع أدبي آخر, فالشعر موجود منذ الأزل, ولا يعني ظهور فنون أخرى الغاء الشعر, او حتى الشعر بتعدد أنواعه عمودي: تفعيلة, حر, يجب أن يلغي ذاك. كل الأنواع يجب أن تتواجد إلى جانب بعضها الآخر لعمل عصف ذهني للمتلقي.

مشاركتي هذه كانت الأولى في الملتقى الذي منحني فرصة التعرف على أنماط مختلفة من الكتابة ولقاء كتّاب عرب, وسماع منتوجهم الثقافي, وهي ثالث زيارة إلى عمان, لاحظت الازدهار الثقافي وزيادة الحركة الثقافية, إذ أن الصفحات الثقافية في الصحف جميلة إلى جانب الملاحق الثقافية المغيبة عن الصحف اليومية المصرية التي تكتفي ببعض الصفحات الثقافية, باستثناء جريدة أخبار الأدب الأسبوعية التي تعنى بالأدب.

هنالك كتّاب قصة في مصر, لكن الحراك الثقافي في عمان منظم أكثر, إذ ان معظم الحراك الثقافي في مصر ينحصر في جهود ذاتية خاصة بالمثقفين الحريصين على إقامة الندوات, والاحتفاء بالابداعات وجهود أصحاب دور النشر.

 

* يذهب الكثير الى القول بتدني مستوى الصحافة الثقافية وابتعادها عن التخصص وعدم التزامها بالنقد الصحافي, من خلال عملك مديرة تحرير القسم الثقافي في وكالة الصحافة العربية, ما رأيك?

– للأسف, الجيل الجديد من الصحافيين لا يقرأ, الإنترنت سهل الكثير من عمله, إذ أنهم حين يحضرون ندوة أو قراءة لأحد الكتاب من دون أن يكون مطلعاً على أي من أعمال هذا الكاتب, وهنا تظهر الكوارث, ويمكن أن يغيّر من كلام المحاضر.

وفيما يتعلق بعرض الكتب والروايات والإصدارات الحديثة, يتجه الصحافي إلى كتابة مقدمة الكتاب وممكن يستعين بالانترنت أو بالأصح يستعير قراءات غيره من الزملاء, من دون أن يكلف نفسه عناء قراءتها. كما أن المحرر الثقافي يبذل جهداً أكبر عن غيره من المحررين, فهو متابع للساحة الثقافية وصاحب خبرة, ولغة أدبية.

 

* يكتب القاصون الكثير من القصص لكنهم لا ينشرون سوى القليل منها, فما هي معايير القصة التي تكتبها لنا عبد الرحمن وتجدها تستحق النشر?

– كتبت الكثير من القصص وأتركها وقتا طويلا: أشهر, وأقرأها من جديد, حيث ابتعدت زمنياً باحساسي عنها, وأقرأها بعين القارئ والمتلقي الخارجي, وبالتالي أحكم عليها بالنشر أو لا. ومواصفات القصة الناجحة تمتلك الذكاء بالاحتفاظ بالقارئ, ليبقى ينتظر معك حتى يصل للنهاية, الذكاء باللغة والحدث.

وأغلب قصصي يجمعها القلق العام, القلق من الحياة, لأن الحياة بحد ذاتها فكرة مقلقة, لذلك الأبطال دائماً في حالة بحث وتفتيش وتساؤل. مجموعة الموتى لا يكذبون القصة التي حملت اسم المجموعة تصف بنت أثناء تجوالها في الشارع رأت خالها المتوفى الذي اقترب منها وقال لها انت خطبتِ, لكنه اختيار خطأ وابتعد, بالتالي واجهت أزمة وجودية, وأصبحت تتبع كل الخطوط حول وفاته, فيما إذا كان قد توفي حقاً, إذ أنه غاب من دون جثة أو شهادة وفاة بسبب حالة الحرب, وفي هذه القصة الوجودية, تبقى البطلة وتراه مرة أخرى, هل هي مريضة أم تعاني الهلوسات. وهي المجموعة الأقرب إلى نفسي, كونها تضم تنوعا في السرد والموضوعات وأكثر من عالم.

تطغى في كتاباتي تلك الحالة ما بين الوعي الحقيقي والخيال والحلم, أحداث نواجهها يومياً في حياتنا ونبقى متشككين إذا حدثت أم لم تحدث.

 

* متعددة الابداع صحافية, مترجمة, كاتبة قصصية وروائية, وناقدة ايضا, كيف ترين التواصل والانفصال بين حقول الابداع هذه؟

– جميعها واحد, لأن عملي قائم على اللغة, الصحافة جعلتني يقظة لجذب القارئ, بينما أبتعد عن لغة الصحافة في الكتابة الادبية, إذ أن التحقيق الصحافي الناجح يكون مشوقاً. النقد أفادني بكتاباتي, إذ أحاول أن أطبق ما أقرأه بالنقد على نصوصي, وأصبحت واعية لفكرة بناء النص. ورسالة الدكتوراة التي أحضر لها الآن عن السيرة الذاتية في الأدب النسوي اللبناني, وأنوي عمل كتاب آخر عن قراءات نقدية إلى جانب كتاب نقدي آخر في أعمال الكاتبة اليزابيل الليندي.

 

* يجري الحديث في الغرب عن القارئ بديلا عن الناقد كيف يمكن للنقد ان يواكب الكتابة الحديثة عربيا, كونك خضت تجربة النقد ؟

– أمر صعب لأن جمهورنا لا يقرأ, بينما هناك يقرأون حتى في القطارات والأماكن العامة والكافيهات, استطلاعات الرأي هناك هي التي تحكم على العمل الروائي أو القصصي فيما إذا نجح أو لا, فعلى سبيل المثال الكاتبة الفرنسية آنا غافالدا, أصدرت مجموعتها أود لو أحداً ينتظرني في مكان ما, وباعت خلال الاسبوع الأول بالملايين, وهي المجموعة الأولى لها, وتُرجمت إلى أكثر من لغة, وذلك يعود بالفضل للقارئ, بينما هنا في الوطن العربي لن تباع بهذا الشكل. نحتاج إلى تفعيل دور الناس العاديين ليقرأوا.

 

* قلت في إحدى مقابلاتك الكاتب العربي يكتب لجمهور لا يقرأ….. ولا أمل بالتغيير, إذن لماذا تكتبين؟

– نكتب لأنها وسيلتنا للحياة, الكتابة غير مفصولة عن ممارسة أي عمل يتعلق بالحياة ككل, لأنه متورط بالكتابة كما هو متورط بالحياة. ومن هنا لا بدّ من وجود جهد اعلامي كبير للترويج للقراءة أو الإصدارات الحديثة عبر الاعلانات سواء بصوت الكاتب أو غيره الى جانب عرض غلاف الكتاب.

 

* انت مقيمة في مصر وحاصلة على الجنسية المصرية, الا ان معظم كتاباتك مشغولة بلبنان كمكان, هل هو اغتراب في المكان؟

– القاهرة مدينة كبيرة جدا مقارنة مع بيروت, كُتب عنها كثيرا سواء من المصريين أو العرب, حين التفكير ماذا سأكتب عن القاهرة, لا بد من التروي, لعرض الرؤية الجديدة التي لم يسبق الحديث عنها, ومشروعي المستقبلي رواية عنها. وبخصوص حضور لبنان كمكان في أعمالي, إنه الحنين كعنصر أساسي في كتاباتي وأعتبره عاطفة مراوغة وملتبسة, عاطفة مضللة تخدع القارئ, لكنها أسلوب جميل بالكتابة.

 

* يمارس القاصون كما الشعراء النقد, فهل تؤيدين هذه الظاهرة؟

– أنا لست ضد التعبير عما يختلج في نفس الكاتب, قد يكون قاصا وناقدا جيدا في آن, وقد يجد نفسه أفضل في النقد مما في الكتابة القصصية أو حتى الكتابات الأدبية الأخرى وفي النهاية العمل الأدبي الناجح يفرض نفسه.

 

* ما هو مشروعك المقبل ؟

– مجموعة قصصية ستصدر خلال أشهر البحر يتجه شمالاً إلى جانب رواية ستصدر ببيروت بعنوان أغنية لمارجريت.

آية الخوالدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى