لنا عبد الرحمن : أودعت قصصي في بئر ” ستوكهولم”
أكدت الكاتبة لنا عبد الرحمن أن روايتها الأخيرة ” ثلج القاهرة ” جاءت من وحي السنوات التي عاشتها في القاهرة وقد زاوجت فيها بين الواقعي والمتخيل . الماضي والحاضرة . المكان الموجود والغائب في آن واحد .
وقالت أنها في أعمالها الروائية لم تطهر بعد من ذاكرة الحرب اللبنانية التي عايشتها في طفولتها؛ ووقفت خلفية لروايتها ” تلامس”و” أغنية لمارغريت “.
وعلى الرغم من عوالم رواياتها لايمكن وصفها بأنها تنتمي للكتابة ” النسوية ” بقدر اشتغالها على معاناة الانسان عموما مع القضايا المصيرية مثل الحرب والموت والفقد؛ إلا أنها تناولت في أطروحتها للدكتوراة ” دلالة الجسد في السيرة الذاتية الروائية اللبنانية “.
– حدثيني ببساطة عن علاقتك بـ”المدينة”كما تتجلى في أعمالك؟
يمكن القول ببساطة أني أحب” المدينة” بكل تعقيداتها وتشابكها، جمالها وقبحها، وفي الوقت عينه أحب أن أظل على مسافة منها،أخاف أن تأخذني لذا لا أستسلم لها تماما، بعض المدن من الممكن أن تسحبنا بأغواء في متاهتها فلا نقدر على الرجوع، سواء كانت هذه المتاهة مزدحمة، وضاجة ومليئة بالتناقضات، أو كانت مغرية ومليئة برغبات الاكتشاف والمعرفة. بالنسبة للكاتب تحديدا عليه أن يكون على حذر من كل ما يأخذه من مدينته الداخلية. فيما يتعلق بالشطر الثاني من سؤالك عن الفرق بين القاهرة وبيروت، لست مشغولة بفكرة الفروق بقدر ما أنظر أن لكل مدينة وجها خاصا لا يتشابه مع مدينة أخرى، من الصعب مقارنة مدينة بحرية صغيرة مثل بيروت لها تاريخها المميز، بمدينة كبيرة ومزدحمة وصاخبة مثل القاهرة، هذا لا يعني أن بيروت ليست مزدحمة أو صاخبة، لكن حين أتيت إلى القاهرة وصرت أتجول في شوارعها بدت لي بيروت بحجم راحة اليد، ولعل فكرة الاتساع هذه تمنح القاهرة سحرها الخاص الذي يميزها عن سائر المدن العربية، حيث بإمكانك أن تجد فيها ما يتناسب مع ما تنوي رؤيته: تراث تاريخ، ثقافة، لهو، ضياع، بؤس، تشرد، ثراء، رفاهية، التناقضات كلها من الممكن وجودها في شارع واحد، وليس عليك إلا البحث عما تريد. في بيروت ثمة سحر آخر موجود على كورنيش البحر، في الأحياء العتيقة، ولعل الأهم بالنسبة لي الذكريات التي تشكل جزء من طفولتي وصباي .
– من بيروت إلى القاهرة.. بعد ثلاث روايات كانت الحرب الأهلية اللبنانية مركزا لحكاياتها.. هل هو انتقال مكاني فقط أم أن روح المدينة أكثر ملائمة لعالم “ثلج القاهرة”؟
في ظني أن الرواية تختار أماكنها، أبطال النص يكشفون عن هويتهم، والمدينة التي يعيشون فيها ويرغبون بسرد حكايتهم على أرضها أكثر مما يفعل الكاتب، من الصعب على الكاتب أن يجبر أبطاله على التواجد بمكان يفرضه فرضا، من دون وجود علاقة تماس بين الأبطال والمكان وجذوره. في روايتي ” ثلج القاهرة” تدور الأحداث بين أسطنبول، دمشق،القاهرة، التي احتلت العنوان. لا تحضر بيروت أبدا ولا تحضر الحرب التي كتبت عنها في قصصي وروايتي السابقتين ” تلامس” و” أغنية لمارغريت”، لأن العالم الروائي ككل في ” ثلج القاهرة” لم يفرض حضورها، لكني في الحقيقة لم أتطهر تماما من ذاكرة الحرب اللبنانية، ووجدت نفسي أعود إليها في روايتي التي أعمل عليها حاليا؛ ربما لأن الكتابة بحد ذاتها تأتي من الذاكرة، ومن حنين أعمى تقودنا رائحته نحو مصدر نعرفه جيدا يشبه رائحة حليب الأم.
– تجولك بين المدن العربية وكتابتك عنها.ألا يغريك بإصدار كتاب عن أدب الرحلات؟
بلى . يغويني جدا أدب الرحلات، ولو تُرك لي الاختيار لفضلت أن أكون رحالة مستمرة،رغبة اكتشاف الأماكن تشكل بالنسبة لي هاجسا مستمرا لا يهدأ؛وهذا اعتبره هبة قدرية،كل مكان جديد له رائحته الخاصة أبدأ في اكتشافها ما إن تطئ قدماي أرض المكان، وأستغرب كيف من الممكن للرائحة فقط أن تكشف عن هوية المكان ككل.. لاشك أن معرفة المكان تمثل تجربة كاملة تشبه الدخول في علاقة صداقة مع شخص جديد نرغب في اكتشاف ما في جعبته، وسماع كل حكاياته ؛ لذا عند الوصول إلى أي مدينة جديدة، أنشغل بالبحث عن طريقي فيها الذي أبدأه مع الأماكن الشعبية ؛ لأني أعتبرها المفتاح الحقيقي للدخول لقلب المدينة، فكرة التواجد كسائحة ورؤية ما ينبغي أن يراه السواح لا تروقني ولا تشغلني ، رغم أنه لا مناص منها، لكن روح المكان الحقيقية لا يمكن أن نراها فقط في الأماكن الشهيرة التي يرتادها الجميع، ولابد من المغامرة والبحث عنها خلف الأشياء الظاهرة؛ خاصة وأن ثمة مدن لا تكشف عن ذاتها بسهولة. وحاليا أعد كتابا بعنوان ” شموس المدن” سأضمنه رحلاتي للمدن العربية والغربية التي وقعت بغوايتها.
– خضت تجربة الاشراف على ورشة كتابة من قبل.. ما رأيك في انتشار فكرة الورش الأدبية في العالم العربي الآن؟
من المؤكد أن انتشار فكرة الورش والمحترفات الثقافية، تعتبر عاملا محركا للابداع، خاصة مع ركود الحراك الثقافي العربي بشكل عام، لذا إذا كان هناك أشخاص يقومون بالاعداد والتنظيم للورش، وهناك من يرغب بالالتحاق بها فهذا بحد ذاته ظاهرة صحية، وبالنسبة لي أرى أهمية الورش الثقافية أيضا في كسر حاجز الخوف والرهبة من الكتابة، والتعامل بحسم مع عامل الوقت، خاصة حين يضطر المشاركون لكتابة نص ضمن الوقت المحدد في الورشة، هذا يمثل تحد لهم للانجاز والتفاعل أيضا بعد أن يتم قراءة النصوص وتبادل الآراء بشأنها بين المشرف الحاضرين.لكن من المهم أيضا التنبه إلى أن الورشة لن تصنع كاتبا تنقصه الموهبة والاصرار.
– وما مدى استفادتك ككاتبة من التجربة؟
بالنسبة لتجربتي في ورشة ” كتابة وفن ” التي أشرفت عليها في مكتبة ” كتب خان” أعتبر أنها تجربة ممتعة وثرية ثقافيا ومعرفيا في آن واحد، حيث تم تبادل خبرات ومشاركة آراء، في جو من العصف الذهني المتبادل بين جميع المشاركين، مما أدى لوجود طقس ابداعي مختلف؛ لأن فكرة الورشة قامت على التفاعل بين أكثر من فن، مشاهدة لوحة عالمية، والاستماع لمقطوعة موسيقية، ثم تناول جانب معين يتعلق بالكتابة، هذا التداخل بين الفنون البصرية، والسمعية والمكتوبة شكل حالة خاصة ظهرت آثارها في النصوص المكتوبة التي قدمها المشاركون في ختام الورشة.
– هل ستكررين تلك التجربة ؟
نعم . سأكررها قريبا خلال معرض” أبو ظبي الدولي للكتاب” من خلال ورشة “كتابة وفن”، خلال أيام المعرض، وتستمر طيلة عام كامل. وأشارك أيضا بمحاضرة عن أثر الموسيقى والفن التشكيلي في الرواية.
– وما هى مشروعاتك القادمة؟
مجموعة قصصية ستصدر قريبا عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان “بئر ستوكهولم”، وأعمل على رواية سأنتهي منها مع نهاية هذا العام.
..
* صحيفة ( الاخبار ) المصرية 22 /4/2014
سمر نور