لنا عبد الرحمن: المبدع متورط في لحظة الدم
ضمن سلسلة حوارات “الجزيرة نت تسائل المبدعين عن الربيع العربي” لا تخفي الكاتبة اللبنانية لنا عبد الرحمن اقتناعها بأن أهداف الربيع العربي (حرية، عدالة..) لن تتحقق في السنوات المقادمة لأن ذلك في نظرها يحتاج إلى مقومات وأسس حقيقية تنطلق منها.
وعن دور المبدع في الربيع العربي، تقول مؤلفة رواية “قيد الدرس” إن المبدع بوصفه شاهدا على عصره، سوف يجد نفسه متورطا بطريقة أو بأخرى في لحظة الدم أيضا سواء بالكتابة عنها في زمنها، أو باستحضارها لاحقا في أعماله.
وتعليقا على مواكبة الإبداع العربي لما جرى ببلدان الربيع، تقول لنا عبد الرحمن إن التاريخ كفيل بغربلة الإنتاج الإبداعي ليبقى منه ما حمل رؤى استشرافية مبصرة للغد، ومنحازة بكاملها للهم الإنساني العربي، بعيدا عن أي انتماءات سياسية لهذا الجانب أو ذلك. وفي ما يلي نص الحوار.
– هل كنتم تتوقعون اندلاع “الربيع العربي”؟
لم أكن أتوقع حدوثه بالشكل الذي حدث، هذا إذا اتفقنا على تسميته بـ”الربيع”، حيث إن هذه التسمية مجازية تحيل إلى ما ينبغي حدوثه من إشراقات منتظرة، وهذا لم يحدث حتى الآن في معظم دول الربيع العربي، لأننا ما زلنا نعيش مرحلة آثار “الهدم”، ولم ننطلق للبناء.
إذا أردنا النظر واقعيا إلى الأشياء الملموسة فقط، من دون التوغل في الآثار المعنوية، ربما يمكننا الحديث باستفاضة عن تدمير الآثار سواء في العراق أو سوريا.. إنه أمر مفجع لما فيه من محو وتشويه للذاكرة الإنسانية التاريخية والبصرية بالنسبة للأجيال القادمة.
– إلى أي حد تعتقدون أن الإبداع العربي لعب دورا في ذلك الربيع؟
الإبداع بشكل مجرد هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الإشراق النهضوي المرتقب الذي يحلم به كل مبدع. لكن المبدع العربي مكبل بقيود شتى، سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية، حيث إن مراقبة الوعي وتحويله إلى عمل تحتاج إلى مقومات أشمل من كل ما حدث، تحتاج إلى نهضة في التعليم، لتأسيس أجيال جديدة متحررة من التفكير النمطي، وفي نفس الوقت لا تنظر إلى الثقافة العربية بدونية.
نعيش حاليا ثورة تكنولوجية على مستوى وسائل الاتصال لم يسبق حدوثها في العالم كله، وهذا في حد ذاته منطلق إيجابي يساهم في إيصال الصوت العربي إلى خارج النطاق المحصور الذي كان محدودا في القرن الماضي، في الوقت الذي لم يساهم العرب في هذه الثورة التكنولوجية، لأنهم مكبلون بقيود جعلتهم يدورون لعشرات السنين في أفق الحروب والدكتاتوريات، بدليل هجرة العقول النابغة والمفكرة. الأزمة الحقيقية في السماح للمبدع في أي حقل بالتفكير، بينما الاستمرار في الخوف من الكلمة، من التحليل، من مراجعة الماضي ونصوصه لن يؤدي إلى أي جديد إيجابي.
بات بالإمكان كتابة خبر أو مقال أو مجرد رأي على مواقع التواصل الاجتماعي وإرساله إلى أكبر عدد ممكن من البشر، هذا لم يكن متوفرا منذ أعوام مضت، حتما هذا له مدلوله الإيجابي على الإبداع، لكنه في حد ذاته غير كاف في حال ظل مفرغا من الأهداف الحقيقية والإيمان بحاجة المجتمعات العربية كلها إلى نهضة شاملة تحررها من التبعية سواء للأنظمة العربية أو للغرب.
– كيف تقرؤون موقف المبدعين العرب ومواكبتهم الربيع العربي؟
إذا كان المقصود بالسؤال هو حجم الإنتاج الأدبي الذي تناول أحداث الربيع العربي في كل بلد، فهو كثير جدا، سواء على مستوى الشعر أو الرواية أو القصة أو المقالة. وهذا الإنتاج متفاوت في قيمته الفنية والفكرية، ولا يمكن الحكم على قيمته الآن ونحن في خضم الأحداث، حيث إن التاريخ كفيل بغربلة الإنتاج الإبداعي ليبقى منه ما حمل رؤى استشرافية مبصرة للغد، ومنحازة بكاملها للهم الإنساني العربي، بعيدا عن أي انتماءات سياسية لهذا الجانب أو ذلك.
– بعد نشوة الربيع العربي، هل بدت لكم في الأفق بوادر الانكسارات؟ وكيف تقرؤون مآل ذلك الربيع حاليا؟
من الممكن طرح السؤال عكسيا، بحيث يكون هل بدت ثمة انتصارات؟! لا أظن، الربيع متجمد حتى الآن، ربما يحتاج إلى شمس الصيف، وعذوبة الخريف.
– إلى أي مدى -متوسط أو بعيد- ترون أن أهداف الربيع العربي -حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية- ستتحقق على أرض الواقع؟
من منظور قريب، ولسنوات قادمة لن تتحقق أي أهداف مما ذكرت، هذه ليست وجهة نظر متشائمة بقدر ما هي واقعية، في رأيي أن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية تحتاج لمقومات وأسس حقيقية تنطلق منها، وأهمها تطوير منظومة التعليم العربي، والبناء الفكري التنويري للشباب، والبعد عن الطائفية المركزية، والتخلي عن مبدأ “من ليس معنا فهو ضدنا”. لكن في الأساس إذا كان ثمة ما ينبغي التوقف عنده بدقة فهو بناء العقل العربي، وهذا ينطلق من مقاعد الدراسة. يكفي النظر إلى المناهج الدراسية العربية لاكتشاف كم هي بعيدة عن أرض الواقع، وتقوم على النظريات فقط.
– هل راكم الإبداع العربي ما يكفي من الرؤى والتصورات ليكون له دور ما في تحقيق تلك الأهداف؟
الإبداع في النتيجة ليس معادلة رياضية محددة.. المبدع الحقيقي من أهدافه البديهية تحقيق الحرية والعدالة، يطلق إبداعه في الفضاء ولا ينتظر نتيجة قريبة له، الكلمة ترحل من جيل إلى جيل وتعكس ظلا منيرا على الأرض، هذا ما تفعله الموسيقى واللوحة والرواية، ولو نظرنا إلى الوراء سنجد في النتاج الإبداعي العالمي والعربي أعمالا مقروءة ومشاهدة حتى الآن، لأنها تحاكي كل العصور، وتخاطب أعماق الإنسان.
المبدع بوصفه شاهدا على عصره بشكل أو بآخر، سوف يجد نفسه متورطا في لحظة الدم أيضا سواء بالكتابة عنها في زمنها، أو اختزالها في ذاكرته لتحضر على شكل واقعي أو شبحي في نصوصه، ولعله من البديهي أيضا في كل مرحلة تحدث فيها تحولات كبرى أن تُنتج أدبا يعبر عنها، خاصة أن المنطقة العربية توالت عليها الحروب والثورات بشكل متلاحق، بحيث لا تكاد تمر عشر سنوات كاملة من دون وجود حرب أو ثورة في هذا البلد أو ذاك.
لذا نجد النتاج الإبداعي العربي بغزارته وتنوّعه، وبالوتيرة المتصاعدة التي عرفها يشكل رافدا إبداعيا مهما يعكس بالإضافة إلى الواقع التفاعل الفني والمعرفي والحدثي والثقافي والاجتماعي لكل حقبة زمنية، لأن الإبداع يتجلى في البحث ثم البحث، والعثور على بدايات الأشياء، وما وراءها، ثم الكتابة من وسط المنطقة التي تتداخل فيها الأحلام، بالخيالات والكوابيس، بالأشباح والدمى الناطقة، مع احتفاظ المبدع بيقين شخصي بالقدرة على الاستمرار ومواجهة الفناء بالكلمات.
الجزيرة نت