صاحبة (الموتى لا يكذبون) :القصة الناجحة تمتلك الذكاء للاحتفاظ بالقارئ للنهاية

 

لنا عبد الرحمن, كاتبة لبنانية مقيمة في القاهرة, ترصد الواقع الى جانب الخيال والحلم في جميع كتاباتها المشغولة بالحنين, تلك العاطفة المراوغة التي تخدع القارئ بأسلوب مخاتل, لتحكم القبضة عليه حتى نهاية القصة.دخلت معترك الصحافة والترجمة والنقد, كما خاضت تجربتها الروائية الأولى حدائق السراب عام 2006، وكان قد سبق  وأصدرت في مجال القصة القصيرة مجموعتها الأولى : “أوهام شرقية” عام 2002، وتتابعت أعمالها الروائية والقصصية, وفي مجال المقاربات النقدية أصدرت كتابها شاطئ آخر- مقالات نقدية ,2001

(العرب اليوم)  التقتها على هامش مشاركتها في ملتقى عمان الثاني للقصة القصيرة, وكان هذا الحوار.

 

 

– كيف تنظرين الى مشاركتك في الملتقى الثاني للقصة القصيرة في عمان, وما رأيك في هذه الخطوة سعياً لتكريم القصة واثبات وجودها?

الفن القصصي عانى في الفترة الماضية من التمجيد الكبير للرواية الحاضرة بالموقف الأدبي أكثر, والجهود التي تبذل تُمكن القصة من مواكبتها, وهذا الحراك الهادف لازدهار القصة شيء رائع حقا. من الخطأ أن نقول بوجود نوع أدبي يتغلب على نوع أدبي آخر, فالشعر موجود منذ الأزل, ولا يعني ظهور فنون أخرى الغاء الشعر, او حتى الشعر بتعدد أنواعه عمودي: تفعيلة, حر, يجب أن يلغي ذاك. كل الأنواع يجب أن تتواجد إلى جانب بعضها الآخر لعمل عصف ذهني للمتلقي.

مشاركتي هذه كانت الأولى في الملتقى الذي منحني فرصة التعرف على أنماط مختلفة من الكتابة ولقاء كتّاب عرب, وسماع منتوجهم الثقافي, وهي ثالث زيارة إلى عمان, لاحظت الازدهار الثقافي وزيادة الحركة الثقافية, إذ أن الصفحات الثقافية في الصحف ثرية  إلى جانب الملاحق الثقافية.

 

– يذهب الكثير الى القول بتدني مستوى الصحافة الثقافية وابتعادها عن التخصص وعدم التزامها بالنقد الصحافي, من خلال عملك مديرة تحرير القسم الثقافي في وكالة الصحافة العربية, ما رأيك?

للأسف, الجيل الجديد من الصحافيين لا يقرأ, الإنترنت سهل الكثير من عمله, إذ أنهم حين يحضرون ندوة أو قراءة لأحد الكتاب من دون أن يكون مطلعاً على أي من أعمال هذا الكاتب, وهنا تظهر الكوارث, ويمكن أن يغيّر من كلام المحاضر. وفيما يتعلق بعرض الكتب والروايات والإصدارات الحديثة, يتجه الصحافي إلى كتابة مقدمة الكتاب وممكن يستعين بالانترنت أو بالأصح يستعير قراءات غيره من الزملاء, من دون أن يكلف نفسه عناء قراءتها. كما أن المحرر الثقافي يبذل جهداً أكبر عن غيره من المحررين, فهو متابع للساحة الثقافية وصاحب خبرة, ولغة أدبية.

 

– يكتب القاصون الكثير من القصص لكنهم لا ينشرون سوى القليل منها, فما هي معايير القصة التي تكتبها لنا عبد الرحمن وتجدها تستحق النشر?

كتبت الكثير من القصص وأتركها وقتا طويلا: عدة أشهر, ثم أقرأها من جديد, بعد أن ابتعدت زمنياً باحساسي عنها, وأقرأها بعين القارئ والمتلقي الخارجي, وبالتالي أحكم عليها بالنشر أو لا. ومواصفات القصة الناجحة تمتلك الذكاء للاحتفاظ بالقارئ, ليبقى ينتظر معك حتى يصل للنهاية.

 

– متعددة الابداع صحافية, مترجمة, كاتبة قصصية وروائية, وناقدة ايضا, كيف ترين التواصل والانفصال بين حقول الابداع هذه؟

جميعها واحد, لأن عملي قائم على اللغة, الصحافة جعلتني يقظة لجذب القارئ, بينما أبتعد عن لغة الصحافة في الكتابة الادبية, إذ أن التحقيق الصحافي الناجح يكون مشوقاً. النقد أفادني بكتاباتي, إذ أحاول أن أطبق ما أقرأه بالنقد على نصوصي, وأصبحت واعية لفكرة بناء النص. ورسالة الدكتوراة التي أحضر لها الآن عن السيرة الذاتية في الأدب النسوي اللبناني, وأنوي عمل كتاب آخر عن قراءات نقدية إلى جانب كتاب نقدي آخر في الرواية العالمية.

 

– يجري الحديث في الغرب عن القارئ بديلا عن الناقد كيف يمكن للنقد ان يواكب الكتابة الحديثة عربيا, كونك خضت تجربة النقد ؟

أمر صعب لأن جمهورنا لا يقرأ, بينما في الغرب يقرأون حتى في القطارات والأماكن العامة والمقاهي, استطلاعات الرأي هناك هي التي تحكم على العمل الروائي أو القصصي فيما إذا نجح أو لا, فعلى سبيل المثال الكاتبة الفرنسية آنا غافالدا, أصدرت مجموعتها “أود لو أحداً ينتظرني في مكان ما” وباعت خلال الاسبوع الأول بالملايين, وهي المجموعة الأولى لها, وتُرجمت إلى أكثر من لغة, وذلك يعود للقارئ, بينما هنا في الوطن العربي لن تباع بهذا الشكل. نحتاج إلى تفعيل دور الناس العاديين ليقرأوا.

 

– قلت في إحدى مقابلاتك الكاتب العربي يكتب لجمهور لا يقرأ… ولا أمل بالتغيير, إذن لماذا تكتبين؟

نكتب لأنها وسيلتنا للحياة, الكتابة غير مفصولة عن ممارسة أي عمل يتعلق بالحياة ككل, لأنه متورط بالكتابة كما هو متورط بالحياة. ومن هنا لا بدّ من وجود جهد اعلامي كبير للترويج للقراءة أو الإصدارات الحديثة عبر الاعلانات سواء بصوت الكاتب أو غيره الى جانب عرض غلاف الكتاب.

 

– انت مقيمة في مصر وحاصلة على الجنسية المصرية, الا ان معظم كتاباتك مشغولة بلبنان كمكان, هل هو اغتراب في المكان؟

القاهرة مدينة كبيرة جدا مقارنة مع بيروت, كُتب عنها كثيرا سواء من المصريين أو العرب, حين التفكير ماذا سأكتب عن القاهرة, لا بد من التروي, لعرض الرؤية الجديدة التي لم يسبق الحديث عنها, ومشروعي المستقبلي رواية عنها. وبخصوص حضور لبنان كمكان في أعمالي, إنه الحنين كعنصر أساسي في كتاباتي وأعتبره عاطفة مراوغة وملتبسة, عاطفة مضللة تخدع القارئ, لكنها أسلوب جميل بالكتابة.

 

– يمارس القاصون كما الشعراء النقد, فهل تؤيدين هذه الظاهرة؟

أنا لست ضد التعبير عما يختلج في نفس الكاتب, قد يكون قاصا وناقدا جيدا في آن, وقد يجد نفسه أفضل في النقد مما في الكتابة القصصية أو حتى الكتابات الأدبية الأخرى وفي النهاية العمل الأدبي الناجح يفرض نفسه.

 

– ما هو مشروعك المقبل ؟

مجموعة قصصية ستصدر خلال أشهر قليلة .

العرب اليوم 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى