الرواية والموضة
لا توجد نهاية لتأليف الكتب، ولا نهاية لوضع قائمة بالكتب العظيمة الجديرة بالقراءة، وغالبا تفوق تلك القائمة الزمن المتاح للشخص على مدار حياته للقراءة ، لذا لن نستطيع قراءة إلا عدد محدود منها، لكنه مؤثر.
الكتب العظيمة تظل حية حتى بعد زمن ميلادها بسنوات طويلة ودلالة خلودها أن لا تبطُل قراءتها، ولا يطمس حضورها الاصدارات الجديدة، هذا الكلام ينطبق أيضا على الروايات المهمة.. أما تلك التي يرتبط ظهورها بانتشار شعبي وجماهيري فلن يستمر حضورها لأكثر من عام أو عامين، وسرعان ما تتلاشى من الذاكرة.
في أيامنا هذه، أصبحت الرواية ترتبط إلى حد كبير بالموضة الأدبية..الحضور الطاغي للنتاج الروائي العربي فاق في هذه المرحلة أي زمن آخر من تاريخ الكتابة العربية؛ مما يفرض التساؤل المشروع عن مدى تأثر الروائين بوجود عدد كبير من الجوائز المغرية سواء ماديا أو معنويا، وبالتالي دفعهم لغزارة الإنتاج.
ربما الإجابة على هذا التساؤل متروك للوقت الكفيل بغربلة الغث من السمين من النتاج الروائي المتدفق، والذي اختلط فيه الحابل بالنابل؛ حيث تداخلت عدة عوامل بعضها إعلامي وترويجي ليس لها علاقة بالكتابة. ولعله من المدهش وجود نصوص ابداعية جيدة جدا في المقابل ليس لها حضور إعلامي، مما يؤدي إلى تغييب هذه النصوص أو اكتشافها بالصدفة من قارئ أو ناقد حاذق يسلط الضوء عليها.
هذا يستدعي التساؤل أيضا إذا كان ينبغي لكل كاتب أن يكون نشطا من جانب التواصل مع الدوائر الثقافية، والتواجد الإعلامي، حيث لا يبدو هذا متاحا للجميع: أن يقوم الكاتب بالكتابة، وبالترويج لأعماله، وبالتواجد الصحفي الذي يحقق الانتشار، وأن يدير أيضا شؤون حياته. ولعله من البديهي أن شبكتي العلاقات العنكبوتية والواقعية تحتاجان لقدرات خاصة في التواصل الواقعي والإلكتروني ، وهي قدرات لا تتوفر للجميع، لكننا لا ننفي أيضا أنها موجودة.
من المؤكد أن الإعلام في المرحلة الحالية، وسائر وسائل التواصل الإجتماعي ساهمت في صعود أعمال ابداعية إلى الواجهة، وغياب أعمال أخرى، يكفي أن نتطلع إلى كتائب الجيوش الإلكترونية التي تعمل على التركيز على خمس أو ست روايات يتم الحديث على أنها الأفضل أدبيا، وفي حقيقية الأمر أن القيمة الأدبية للأعمال المذكورة متوسطة أو ضعيفة، لكن هذا ما يحدث فعلا، أضف إلى ذلك كله موضوع الجوائز الذي نقل العمل الإبداعي سواء في الرواية أو القصة القصيرة، من خانة الامتداد الزمني إلى خانة “الآنية” أو بعبارة أكثر تبسيطا أصبحت حال الروايات تشبه حال المسلسل الرمضاني، فكما هناك في كل عام مجموعة من الأعمال الدرامية التي تُطلقها الفضائيات مع قدوم شهر رمضان؛ هذا يحدث ابداعيا مع إعلان الجوائز، والقوائم الطويلة والقصيرة، لنفترض أن هناك عملا ابداعيا جيدا أو أكثر من جيد، ولم يحصل على جائزة، ولم يصل لأي قائمة، لن يكون له أي حضور خارج دائرة المثقفين، إلى جانب هذا حتى الأعمال التي تنال جائزة أيضا، أو تصل للقائمة القصيرة، سيكون حضورها مرتبطا بالوقت ، وينتهي بعد اعلان الجائزة التالية، وهكذا، كما لو أن العمل الابداعي صار مرهونا لفكرة الموضة الآنية.
لكن في حقيقة الأمر أن الأعمال الروائية تستمد ديمومتها من انشغالها بالقضايا الإنسانية الكبرى التي تشغل البشر في كل العصور، فالإنسان منشغل بشكل أبدي بأفكار دنيوية على غرار العدالة، الحروب، الحب، الأخلاق، الجريمة، وغيرها..وأمور علوية تتمثل في تساؤلاته الوجودية الكبرى حول الله والأديان وحقيقتها من عدمها ، وعلى الرغم من تسارع حركة الحياة وتبدلها إلا أن الإنسان لم يتمكن من الوصول إلى إجابة شافية عن هذه التساؤلات في الروايات.
وفي النتيجة،إن قراءة الروايات العظيمة لن تُخيب آمال قراءها، بل من الممكن إعادة قراءتها أكثر من مرة، فالروايات الخالدة لا تشيخ ولا تهرم، إنها صديقة للروح في كل أوان ومكان.
د. لنا عبد الرحمن