الكلمة والإرهاب
من حولنا كل يوم، تتوالى حوادث الإرهاب التي يبدو أمامها العالم كما لو أنه يُعاني من صدمة العُنف المتزايد، وما يُسمى بالجرائم الإرهابية، وفقدان السيّطرة على وقف نزيف العُنف والعداء للآخر، وفي الحقيقة، أن التضخُّم السريع لحركة الإرهاب التي تبدو مُفاجئة للشخص العادي، لا يمكن فصلها عن سيناريوهات مُخيفة قابلة للتطوّر، تقسم دول العالم إلى قسمين: أحدهما يواجه الإرهاب، والثاني يتفرج على ما يحدث.
في المقابل، يستيقظ الإنسان ليواجه مجموعة من العناوين المقلقة، مثل: “باريس تحارب الإرهاب” و “التحالف يناقش خطط التصدي لداعش” و “كندا وصلاحيات أكبر لمواجهة الإرهاب”، وقائمة عناوين أخرى على هذه الشاكلة، حينها يدرك أي ريح ساخنة تهب على العالم كله، ففي نشرات الأخبار والصحف والمواقع الإلكترونية، أخبار مُباشرة وموضوعات وتحليلات صحفية، وتوقّعات تدور حول علاقة العالم مع الإرهاب في هذه المرحلة، وكيف يواجهه، وما الطرق التي سيتصدى بها لوجوده ولانتشاره ولتعملقه؟.
لم يعُد الإرهاب مُجرد مجموعة من الأحداث المتطرّفة التي تقع بعيداً عنا، لعل هذا ما أدركه العالم ككل، أن الخطر اقترب من حيّز الجميع، مُتحدياً بكل بشاعة وأذى أي سلام مُمكن، وبالتالي فإن هذا أدعى بالعالم أن يلتفت حول نفسه الآن ويتحد، وينقذ البشر من شرور أنفسهم، رغم أن هذا العالم الكبير نفسه، لم يكن ليلتفت للكوارث التي تقع على أرضه مادامت بعيدة عنه، لا أعني بالكوارث فقط الأعمال الإرهابية، والعُنف الذي تحوّل في شكل من الأشكال إلى حالة تشبه أفلام الخيال العلمي، بل ما ينطوي خلف حالات الإرهاب الظاهر.
فالعُنف لا يأتي بين ليلة وضُحاها، وشخصية الإرهابي نتيجة سلسلة من الإخفاق الاجتماعي المرير، من فقر وجهل وانغلاق فكري وقمع سياسي، ينتج عنه شخصيات مشوّهة، تجد خلاصها في اعتناق سياسة القتل؛ لأنها عاجزة عن تحقيق غاياتها.
وإذا كانت الحرب على الإرهاب، ستتخذ بشكل حاسم الحل العسكري وسيلة لا فرار منها للحد من الأخطار الواقعة، فإن هذا الحل يحتاج بالتوازي معه إلى مسارات نهضوية أخرى، تعمل على البُنى الاجتماعية التحتية بنوع من الوعي الإنقاذي للأجيال القادمة.
مع الأخذ بالاعتبار، أن هذه المسارات لا يمكنها أن تصل لنتيجة أكيدة وسريعة في القريب العاجل؛ لأنها من نوع الخطط البعيدة المدى، كما تحتاج إلى تفاعُل حقيقي بين الخطاب الإعلامي وحركات المجتمع المدني، وغيرها من المؤسسات الفاعلة والمؤثرة على تكوين الوعي الفردي، حيث الخطاب الإعلامي في مُتابعة بسيطة له، يتناول الظاهرة بأسلوب خبري و “حنجوري”، أكثر مما هو تتبُّعي وتحليلي وتنبؤي، لما سيكون بعد عشرة أعوام مثلاً، وإن لم يتم الالتفات لطرق المواجهة هذه، فإن السلسلة ستستمر لأجيال ولزمن لا نعرف بعده، حيث في تحليل بسيط واطلاع على الوسائل التي يستخدمها الإرهابيون في جذب الشبان الجدد إليهم وإقناعهم باعتناق أفكارهم، سنجد أنهم يستخدمون سلاح الكلمات والأفكار للتأثير عليهم، وجعلهم يتبنون سياسة العُنف، فمَنْ يخطط للإرهاب يدرك جيداً أي قوة تمتلكها الأفكار، وأي وسيلة يستخدم بها العبارات، والجمل التي تمكّنه من اصطياد ضحاياه.
د. لنا عبد الرحمن