شهوة الحكم والسلطة

 

 

لا شك أن الغالبية العظمى من المصريين يهتمون بالدرجة الأولى بالاستقرار وتوفير فرص العمل وعودة الأمن، هذا ما يشغل السواد الأعظم من الشعب ، أما المسائل المقلقة المتعلقة بالتوجهات الفكرية للحاكم ومن سيتولي سدة الحكم، فهذا لا يشغل بال العامة بشكل مباشر، وهم غير مهمومين بالأسماء أو التوجهات .. وهذا حقهم بالطبع  في التطلع لحياة كريمة ؛ ومن الطبيعي أن ينشغل بالقضايا الكبرى فئة معينة من المجتمع، هي من يطلق عليها اسم ” النخبة” لترى ما هو الصواب لصالح البلد، وتنصح به، أو أن تقوم بالتنبيه لسلوك الحاكم، وتحذيره، ومطالبته بتعديل مواقفه وقراراته.

لكن  المرحلة الحالية في مصر، لا  تنطبق مثل هذه الأفكار على ما يحدث في الواقع. يكفي أن نسمع للتجاذبات المختلفة، والآراء المتنوعة، واللغط الكثير الذي يدور في الشارع، حتى نكتشف أن الجميع في دوامة وحالة تشتت ؛ ويكفي أيضا أن ننظر للأسماء التي تم اختيارها للجنة التأسيسية للدستور- السابقة – لنعرف أن كل القواعد باتت مكسورة ؛ فاللجنة تم تشكيلها بأغلبية للإسلاميين تصل إلى  63%  و من بين أعضائها شيوخ سلفيين متشددين. ويكفي النظر في القوانين التي طرحها مجلس  الشعب السابق مثل – مشاريع إلغاء قانون التحرش، وتخفيض سن الزواج للفتيات وتشريع ختان البنات، لنعرف ما يمكن أن تأتي به الأيام المقبلة لو استمر الوضع علي ما هو عليه .

لا ريب بأن مصر تقف الآن أمام مرحلة تاريخية حرجة ؛ تحمل شبهة المواجهة ووجود أعمال عنف بين الإخوان والجيش، هذا ما تكشف عنه المدلولات العامة للأحداث. فالإخوان الذين لهم تاريخ طويل مع العنف، وبينهم وبين العسكر ثآرات عديدة، لم يرضهم حل مجلس الشعب، الذي لم يعد تحت أيديهم كما أن الصلاحيات المنوطة بالرئيس مازالت غير محددة، ويخشي الاسلاميون تلاشى الكثير من الآمال التي عقدوها.

وفي خضم ما يحدث، من المهم أن نذكر أن أحلام الدولة المدنية في طريقها الى التلاشي – إن لم تكن تلاشت بالفعل – فاذا ما استمر الجدل العقيم وحالة التشتت والتخوين والاحتجاجات والمظاهرات ، سيكون على مصر الاستمرار في الحكم العسكري، أو ظهور تحولات تنبأ بظهور دولة إسلامية سيكون لزاما لتأكيد أركانها وجود مجلس شعب شبيه بالمجلس السابق، أو يفوقه في عدد مقاعد الإخوان والسلفيين. أمام هذا يبدو الحديث عن الشرعية الثورية، وعن المظاهرات، والمسيرات، وتجمعات ميدان التحرير، مجرد إطار عام للصورة، وليس الصورة نفسها ؛ لأن الصورة الآن بقي في داخلها شيوخ وعسكر فقط، والصراع بينهم على أشده، وسيظل كذلك في هذه المرحلة، الصراع سيأخذ وجوها أخرى لكنه سيظل قائما سواء بالعلن أو السر، مهما قيل عن الاتفاقات بينهم، وعن تهديد كل طرف للآخر، بما لديه من سلاح ضده، لأن شهوة الحكم والسلطة هي الغالبة في النتيجة، وكلاهما متجذرة لديه بقوة، ولا سبيل للتراجع أمام الآخر.

د. لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى