مغامرات المواصلات
قد تظن لبعض الوقت، أنك ستكون افضل حالا حين تمتلك سيارة تتنقل بها بحرية في شوارع القاهرة الفسيحة، وأنك ستنعم بالراحة من سماع حكايا سائقي التاكسيات، وأغنيات الميكروباصات الهابطة فيما لا يدع مجالا للشك، لكنك ستعرف فيما بعد أنك لست على صواب، لأنك ستكون مرغما على خوض مغامرات من نوع آخر.
ليست هنا المشكلة، لأن حكايا التاكسي، وأغنيات الميكروباص تبدو خلطة عربية أصيلة متوفرة في معظم المدن، وفي كل السائقين، ففي دمشق أو بيروت، ستجد في الميكروباص أغنيات مشابهة تماما لأغنيات ميكروباص القاهرة، مع اختلاف الأصوات والكلمات واللهجات،لكن من حيث المضمون فهو واحد. ويمكن لمن شاهد فيلم “على جنب ياسطى”، أو قرأ كتاب “تاكسي” لخالد الخميسي، أن يكتشف بعمق أن قصص الطرق متشابهة في كل الأماكن.
ستكتشف مع مرور الوقت أيضاً أن أغنيات الميكروباص، هي جزء لا ينفصل عن ثقافة الشارع، وهذا الأمر لا يسبب أي خجل لصاحب الميكروباص، بل إنه بكل فخر يعلن أنه لا يستمع إلا للأغنيات الهابطة، وهو يقول عنها هابطة ليس لأنه يعتبرها كذلك، بل لأنه اعتاد على تقبل هذه الكلمة التي تم تصديرها له.
لكن نعود الآن لقصة أن تكون من أصحاب السيارات أو لا تكون، في مدينة واسعة ومكتظة ومزدحمة مثل القاهرة. ستلاحظ مثلا أنك ستكون مضطرا أن تترك سيارتك (مركونة) في مكان ما وتضطر لأن تستقل أي وسيلة نقل أخرى، لأن المكان الذي ستذهب إليه لا يوجد فيه موقف سيارات، ومن الأسلم لك أن تضع سيارتك جانبا بدلا من أن تأخذ مخالفة وقوف في الممنوع. أما إذا كنت حذقاً إلى درجة جيدة، وتعرف مداخل الطرق ومخارجها، فسيظهر لك شخص مجهول من العدم، ممن يؤجرون أطراف الشوارع، ويستخدمونها كمواقف للسيارات، سيظهر لك هذا الشخص ويتصرف مثل زعيم تنبغي طاعته، ويعطيك تعليمات حذرة كي تركن سيارتك بشكل ملاصق لسيارة أخرى لكن دون أن يطول السيارتين أي خدش، وهذه مهارة لا يمتلكها إلا الحاذقين في أمور الطرقات الضيقة. أما إذا كنت مضطرا أن تركن سيارتك لبعض الوقت في جراجات أحد الفنادق الفخمة فعليك أن تكون مستعدا لدفع مبلغ مالي باهظ ومبالغ فيه عن كل ساعة ،ويظل الاختيار الثالث في أن تركن سيارتك في أحد الجراجات التي خصصتها الأحياء ، وعليك أن تنتظر دورك لخروج إحدى السيارات من الجراج لتدخل بسيارتك ، ولكن هذا ليس بالأمر الهين في ساعة الذروة الصباحية .
أما الحالات التي ستصادفها لسيارات تواجهك في عكس الإتجاه، وتهجم عليك هجوما لا يرحم، فهي متكررة يومياً، وتحصل من دون أي خجل أو اعتذار، هذا طبعا بالإضافة لأصوات ( الكلاكسات ) التي تصدح في أذنيك إن تأخرت إحدى السيارات عن التحرك بضعة أمتار إلى الإمام. الحديث عن مغامرات الطرقات لا ينتهي، وفي أيام الصيف، وكورونا، وضرورة ارتداء الكمامات، له وقع آخر.
د. لنا عبد الرحمن
د. لنا عبد الرحمن