الله محبة

 

جاء عرض فيلم ” السيد ابراهيم وأزهار القرآن” على احدى القنوات الفضائية، خلال هذه الأيام، التي تشتعل فيها الثورات، والصراعات الدينية التي تكرس للعنف لا للسلام.هذا الفيلم المأخوذ عن رواية للكاتب  الفرنسي إيمانويل شميت، يقدم نموذجا مثاليا للمحبة، للتسامح والسلام.

لقد أثار هذا الفيلم ضجة كبيرة، وجدلا في الأوساط السينمائية حين عرض في العام 2004 ، كما حاز على عدة جوائز، وقوبل في الغرب  بترحيب كبير وحقق ايرادات غير متوقعة. في حين لم يكن له هذا الحضور القوي في  صالات السينما العربية، بل ربما كان حضور الرواية التي قام بترجمتها الكاتب محمد سلماوي  أكثر حضورا في الأوساط الثقافيةً.

فيلم  السيد ابراهيم وأزهار القرآن”،من الأفلام النادرة التي اعادت الاعتبار للدين الإسلامي في تقديمه من وجهة نظر صحيحة ، عبر عرض علاقة رائعة بين ” السيد ابراهيم” الذي يقوم بدوره الفنان العالمي عمر الشريف، وبين الصبي اليهودي  موسى. بطل الفيلم هو ” السيد ابراهيم” وهو بقال تركي عجوز، يعيش في أحد أحياء باريس، ويتردد على دكانه صبي صغير هو  “موسى” يناديه البقال تحببا باسم “مومو”، وهذا الصبي  يقوم يوميا  بسرقة الشوكولاته من محل السيد ابراهيم، وفي احدى المرات ينسى “مومو”، أن يسرق الشوكولاته، حينها يناديه السيد ابراهيم ويذكره بأنه نسي أن يسرق الشوكولاته، يندهش مومو من تسامح هذا الرجل المسلم، وتكون هذه الحادثة بداية لعلاقة قوية تجمع بين العجوز ابراهيم  والصبي اليهودي، لتكون علاقة تؤكد  على  أن “الدين معاملة” . وبعد وفاة السيد  إبراهيم في نهاية القصة وتسلم “مومو” القرآن والمتجر بناء على وصيته يجد الزهور المجففة بين صفحات هذا الكتاب المقدس وقد كتب له السيد إبراهيم “أخيرًا عرفت ما هو في القرآن وهو كل ما يلزم”. فالقرآن موجود لكن كيف يستخدم، إن زهور القرآن معناها القراءات أو ” الآيات” التي قام بقراءتها السيد إبراهيم على مسمع مومو. وهي صورة شعرية راقية، لأنه يرى ويعطي ما في القرآن من خلال تعامله الطيب مع الناس.

الأجواء التي تدور فيها أحداث الفيلم  فيها كثير من التفاصيل الروحية الحية التي تدعو للمحبة والسلام، لكن من دون إثقال الفيلم بعبارات مباشرة، أو كليشيهات جاهزة، ثمة تناول جذاب لفكرة تحاور الحضارات ووحدة الأديان بأسلوب سلس ومتحرر من أي اسقاطات أو تعاليم دينية صرفة .

واذا كان هذا الفيلم يتناول الصداقة  بين  شخصين من ديانتين مختلفتين، ، فإن هذه القضية تعتبر من أكثر القضايا إثارة للصراع سواء في العالم الغربي أو العربي، مثل هذه القضية تحتاج لإعادة رؤية وتقديم  من جديد، فكما هناك تفاهمًا أو توترا  بين الجماعات المختلفة.توجد صداقة بين أشخاص من ديانات وتاريخ مختلف أيضا .لقد حاول المؤلف إيمانويل شميت عبر   هذا العمل تقديم صورة مغايرة للإسلام في الغرب، أما الزهور التي قصدها فهي تجسد تعاليم القرآن في سلوك إنساني راق يعبر عن القرآن الكريم.  المؤلف  وضح بأنه  كان ينظر إلى القرآن الكريم من خلال مرجعيته المسيحية وعبَّر عما يبهره في القرآن. قائلا  ” بينما تحدثنا الجرائد عن التوترات يحدثنا الأدب عن التفاهم، وهدف كتابي التأكيد على أنه مع الاختلافات الثقافية هناك تقارب وتفاهم بين الناس. وأنا كأوربي أناضل ضد خوف الناس من الإسلام، والناس تخاف نتيجة جهلها، فربما تعطينا الاغتيالات الإرهابية صورة شيطانية تشوِّه الإسلام، ومن الناحية السياسية قدمت “مسيو إبراهيم” الأوروبي المسلم الهادئ المتفتح الذي يحب الناس، والقادر على تبني طفل يهودي دون محاولة تغيير ديانته، فقط يود أن يعلمه كيف يجب أن يعيش الحياة. ”

  د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى