لنا عبد الرحمن و روايتها “بودا بار “

تضع سكيناً تحت وسادتها، وتنام داخل الخيمة

 

“بودا بار”  أحدث رواية للكاتبة لنا عبد الرحمن صدرت حديثا دار ضفاف (بيروت)، والاختلاف (الجزائر) ، لنا عبد الرحمن، كاتبة روائية ، لها قلم مميز فى الحكى عبر السرد الممتع صدرت لها العديد من الروايات نذكر من بينها: “حدائق السراب” 2006 ــ “تلامس” 2008 ــ “أغنية لمارجريت” 2011 ــ “ثلج القاهرة” 2013 ــ “قيد الدرس” 2015 كما لها حس نقدى مميز يظهر بكتاباتها النقدية.

“بودا بار” اسم الرواية ومما يرد في الرواية عن الاسم  : “مضت دورا في طريقها وهي تفكر بكلمة “بودا بار” وتجاور كلمة “بودا” مع كلمة “بار” جمعهما معاً في مفردة واحدة تكون دلالة على ذروة الروحانية والمادية في آن”. فبودا لها معناها الروحى فى الاجواء الآسيوية،وكأن هذا البار وهذا الحي وهذه المدينة تجمع البراءة إلى جانب الجريمة، تجمع المقدسات إلى جانب المدنسات، فإلى أية جهة تميل الكفة؟

التعبير عن حالة من الصراع تُخيّم على الرواية عبر تجاور كلمتي «بودا» و«بار»، في امتزاج روحاني وأرضي معاً، تجعل الأبطال تائهين في دوامة تحولات سريعة تحدث للمدينة ولهم، وتدفعهم للسؤال عن جدوى البقاء أو الرحيل، أي عن “فكرة الهوية”.

وتدور أحداث الرواية في أحد أحياء بيروت العتيقة، التي كانت تقع سابقاً على خطوط التماس في سنوات الحرب الأهلية.وفي هذا الحي يلتقي مجموعة من الأبطال الغرباء وتتقاطع مصائرهم، حيث تبدأ الرواية بوقوع جريمة قتل «جمانة» المرأة الفاتنة الغامضة بكل ما يحمله حضورها واختفاؤها من دلالات رمزية،الرواية رحلة كشف لانكسارات مرحلة الحرب والسلم وانعكاس هذا على الأفراد، في تشظيهم وندوبهم العميقة، وبحثهم عن الأمان..يلاحظ القارئ الرمزية التي تلعب عليها الكاتبة،ويكتشف أن الجمال مصيره أن يُغتال في بيروت وفي مدننا العربية عموماً، فيرد على لسان إحدى الشخصيات:”الجمال الفائض لعنة لأنه يقترن بسوء الحظ أن ذنب جمانة الوحيد هو أنها كانت بارعة الجمال فاتنة فقُتلت وكذلك هي حال غزال والدة دورا الشخصية الرئيسة، لقد كانت غزال من الجمال بمكان فعُذبت واضطُهدت وعوقبت إلى أن ماتت.فهل تراه يكون الموت والعقاب مصير كل ما هو جميل؟ هل الجمال هو الخطيئة التي لا تُغتفر في مجتمعاتنا؟ هل يجب أن تتحمل المرأة الجميلة عواقب هذه الهبة الربانية؟

وبالتناص بين جمانة وبيروت المدينة؟ فتعاقب بيروت الجميلة على جمالها هى الأخرى في روايتنا “بودا بار”؟ ويقع عقاب بيروت على  نساء بيروت فى الاساس فقضية المرأة اليوم متجذرة في نسيج المجتمع اللبناني وهي قضية المرأة عموماً والمرأة المطلقة خصوصاً، من حيث التضييقات التي تصيبها والمواقف المحرجة التي تتعرض لها وبخاصة من طليقها.فإيمان امرأة نشيطة قوية عاملة، أم لثلاث بنات، إنما مطلقة ولا تعرف كيف تنجو من تعنّت زوجها وبراثنه وتصرفاته الرجعية تجاهها، فيرد في أحد مواضع السرد:”استفاضت في الحديث عن مشاكلها مع بناتها الثلاث،وطليقها الكسيح الذي يأتي كل أيام عدة يلوح بعصاه ويهددها بتكسير زجاج المحل إن فكرت يوماً بالزواج ” فكأن مشاكل إيمان وهمومها لم تنتهِ بطلاقها ولم تنتهِ بانتهاء مدة زواج تبدّى فاشلاً،بل تطورت الأمور لتصبح هذه المرأة المناضلة ضحية زوجها وتصرفاته غير اللائقة والتي لا يعاقب عليها قانون ولا شرع ولا مجتمع؟! مشهد آخر من مشاهد الحياة البيروتية هو مشهد النازحين السوريين الموجودين في خيمهم والذين يتعرضون فيها لشتى أنواع التنكيل الجسدي والعاطفي والفكري. فكأن مصائب هؤلاء الهاربين من نيران أرضهم لم تكفِ، فجاءت شرور المحيطين بها لتزيد الطين بلة، فيرد الحديث عن فرح الفتاة السورية التي خسرت عائلتها وحياتها وجامعتها في حلب وهربت مع من هرب إلى لبنان، بالقول: “انقلب عالمها وتحول من النقيض إلى النقيض. انتهى زمن التلميذة البريئة، لقد ماتت البنت التي كانتها، ذهبت مع الراحلين في حلب وحلّت مكانها فتاة شرسة عليها أن تدافع عن نفسها بكافة السبل كي تعيش؛ أن تضع سكيناً تحت وسادتها، وتنام داخل الخيمة ”

قضايا متعددة من عمق الواقع اللبناني تطرقها عبد الرحمن بلغة سلسة سهلة تحوّل الرواية القصيرة “بودا بار” إلى قراءة هادئة ممتعة تسلط الضوء على مشاكل يومية يعرفها القارئ ولكنه لا يتنبه إليها دوماً، وذلك كله بهدوء سردي ووصف سريع لا يتخطى المئة والخمسين صفحة فى ” نوفيلا “جميلة السرد

أشرف توفيق

موقع ” الصحبة نيوز”

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى