أحزان مارلين مونرو ومطبخها

 

ربما يبدو من المستحيل بالنسبة لخمسينات القرن العشرين، أن يتخيل أحد  أن النجمة الأيقونية مارلين مونرو تسير في أحد أسواق العطارة بحثاً عن مزيج من أعشاب المريمية والبردقوش والزنجبيل وجوزة الطيب لتستخدمها في طهو الدجاج. كان الأمر سيبدو مقبولا أكثر لو  قيل لنا أن تلك الفاتنة سوف تستخدم هذه المواد في حمام من الأعشاب للمحافظة على جمالها، لكن أن تجلس إلى طاولة المطبخ لتحشو الديك الرومي، هنا تكمن الغرابة! لكن هذا ما فعلته مارلين في أحد مراحل حياتها.

إلى جانب الطبخ ثمة فعل آخر انشغلت به أكثر وهو ” الكتابة”، لكنه لم يأخذ من حياتها الحيز الذي يسمح بالاستغراق به إلى الحد الانسلاخ عن الحياة الخارجية.

في  كتاب “شذرات” الصادر عن دار النشر “فارار ستراوس وجيرو” سيجد القارئ رسائل وخواطر ومذكرات مونرو المبعثرة وقصائد شعرية، وأغلفة رسائل كتبت عليها النجمة الشهيرة كلماتها، وتتناول مرحلة  من زواجها الأول عام 1943 حتى وفاتها في 1962. وتعود معظم المواد المتضمنة في هذا الكتاب، عندما كانت مارلين في أوج شهرتها وعندما انتقلت إلى نيويورك وتزوجت آرثر ميلر وتعرفت على لي ستراسبرغ ورابطة “أكتورز استوديو”الخاص بالفنانين المحترفين التي كان يرأسها. محاولات مارلين المؤثرة لتأكيد الجانب الفكري في شخصيتها هي التي جذبت الانتباه إلى هذا الكتاب ومحتواه. ولكن ليس هذا فقط ،ففي إحدى الصفحات توجد وصفة مكتوبة على ورقة تشرح كيفية إعداد حشو الدجاج أو الديك الرومي. كان من المعروف عن مارلين أنها لا تلح إلا على طلب واحد عند إعداد الطعام، وهو: لا تضعوا ثوما.

ومن الأدلة الأخرى التي يذكرها الكتاب لعلاقة مارلين بالطهو بيع آثارها الشخصية في صالة “كريستي” للمزادات في عام 1999، حيث تم بيع اثنين من كتب الطهي الخاصة بها وكان الكتابان مهترئين وبهما شروح على الهوامش.

***

يُظهر “شذرات”  مونرو الشاعرة والمثقفة، من خلال قصائدها وإحساسها في الحياة، ودونت هزائمها النفسية وما كانت تعانيه في علاقتها مع العالم. ومما تقوله في هذه القصائد :

وحيدة،  اني وحيدة دائماً،مهما كان الظرف.

أيتها  الأشجار الحلوة الحزينة

أتمنى لك نعمة الراحة

لكن عليك دائماً

البقاء على حذر.

وتحت عنوان ” صلاة من أجل مارلين مونرو”، صدر هذا الكتاب بالعربية للكاتب والمترجم اليمني رياض حمادي، والعنوان مأخوذ من قصيدة لشاعر نيكاراجوا إرنستو كاردينال.

****

في كتاب  “حياة وآراء الكلب ماف وصديقته مارلين مونرو”، للكاتب أندرو أوهاجان تدور الأحداث من خلال رؤية الكلب لصاحبته. و” ماف” كلب مرح صلب  الرأي، يمكن التنبؤ بحركاته بسهولة، وهو من سلالة ترييار، أهداه المغني والممثل الأميركي الراحل فرانك سيناترا للنجمة مارلين مونرو، لذا يتخذ الكاتب أندرو أوجان من شخصة الكلب بطلا لروايته ليحكي عن مارلين مونرو من وجهة نظر كلبها! أما مارلين شخصياً فيصفها  كاتب رواية الكلب ماف  “إن كنت تريد أن ترى مجموعة من النقائض، فإنني أتحدث عن عدد كبير مختزل في امرأة واحدة، فهي تبدو جميلة جدا لكنها تواجه قدرا كبيرا من القبح. وتبدو محظوظة جدا لكن القدر يقف لها بالمرصاد، تشع حيوية ومع هذا فهي تذكرنا بالموت بشدة. إنها امرأة تبدو إلى حد ما في غاية السعادة وفي غاية التفاؤل، ومع هذا فإنها تضمر بداخلها أشياء حزينة ومتشائمة. إنها تحمل كل تلك الأشياء داخل شخص واحد”.

أما مونرو فقد وصفت علاقتها بكلبها ” ماف” قائلة : ” الرجال استغلوني والنساء حكمن علي والكلب فقط هو الذي أحبني”

ومن ضمن أغراض هذا الكتاب كما قال مؤلفه : كشف الحقيقة شخصية مونرو  من الأيقونة التي وضعت فيها. بمعنى آخر إعادة الحياة للمرأة. وظننت أن الكلب وحده هو الذي يمكن أن ينظر إليها بولع دون أن يكون للأنانية دخل في الموضوع”

***

كان الفيلم الأخير الذي قدمته مونرو بعنوان ” الأسوياء”

The Misfits

لكنها لم تكن معجبة بدورها في هذا العمل، الذي أدته إلى جانب كلارك جيبل، ويعتبر الفيلم الأخير لكليهما. يحكي الفيلم قصة امرأة مطلقة حديثًا تدخل في علاقة قوية مع راعي بقر يؤدي دوره غيبل.

واعتبر النقاد الفيلم أحد أكثر الأفلام تفرداً بسبب روح الدعابة والدراما والرومانسية الصادقة، على الرغم أنه لم يحظى بالنجاح الجماهيري الكبير حين إصداره.

كانت مونرو آنذاك  تواجه مشاكل مع زوجها ، آرثر ميلر ، وتعاني من نوبات من الاكتئاب الشديد. ونتيجة لذلك ، غالبًا ما كانت تأتي متأخرة إلى العمل أو في بعض الأحيان لا تحضر على الإطلاق ، مما تسبب في تأخيرات طويلة في الإنتاج بأكمله. و يبدو أن مونرو أيضًا لم تكن منسجمة مع دورها في الفيلم، ولم يعرف إن لم تحب الشخصية أو السيناريو، لكن المؤكد أنها لم تسع اطلاقا للترويج للعمل.

لم يمنحها القدر فرصة أخرى مع فيلم جديد، إذ بعد عام على هذا الفيلم، تمضي مونرو من هذا العالم، تاركة خلفها عشرات الأسئلة عن حياتها وموتها.

إذ منذ أن ظهرت مونرو على الشاشة ، وحتى رحيلها عام 1962 منتحرة بجرعة زائدة من المنوم، ظلت نابضة بالحياة ومذهلة كما كانت في أي وقت مضى. تمكنت من ايقاف الزمن عند صورة معينة لها.

كانت مونرو تندهش من مقولة ريلكه ” إن الجمال هو بداية الرعب”،تقول أنها  تشك في فهمها الكامل للعبارة، لكنها تعجبها. ربما لأنها تقف على تماس مع هذ الوصف الذي ينطبق بشكل ما عليها. إذ في نفس وقت اعتبارها أيقونة للجمال والإغراء فإن هذا ما يحاذي الرعب، ولم يجلب لها أي نوع من السعادة الحقيقية.

لنا عبد الرحمن

زر الذهاب إلى الأعلى