تميمة العاشقات وكشف العالم السري للمرأة
تكتب الأديبة لنا عبدالرحمن روايتها الجديدة “تميمة العاشقات” لتحرر التاريخ بالحب الذي تقصده المرأة بفكرها النابع من هويتها، متحدية القيود التي تكبل الروح ، فتحول بينها وبين تحقيق الذات، فتقوم الشخصية التي تمسك عناصر السرد بمغامرة معرفية في أجواء رحبة تجمع بين المرجعية التاريخية والتخيل، هذا التوجه يعبر المكان والزمان مؤكدا نبل الوجود البشري بشكل رمزي وبعمق جمالي وحيوية درامية فتنطلق الشخصيات من وادي الأجنة إلى المعبد الفرعوني والدير والمسجد ساعية إلى ثقافة الحياة الجديرة بأن يعيشها الإنسان، مقاوما ألوان الدمار التي تحتشد في تاريخنا البشري لتنزع ثقافة العنف وتحل محلها الحب والحوار، بذلك تكون الرواية قراءة في العالم السري للمرأة بوصفه المجال الفيزيائي لـ (ميكانيزم / دافعية) التحقق الوجودي.
تبحث الكاتبة عن استراتيجية لبناء الذات عبر التفريغ والتحميل، أي التخلص من الأوهام والمخاوف التي تثقل العقل بخاصة النسوي دون أن يكون لها أساس سوى مرجعية عنكبوتية من الخوف والقهر، وبعد ذلك تقوم الذات باكتشاف كوامنها العميقة الأصيلة بالتوازي مع اكتشاف الطبيعة الحرة من ناحية والفن الذي ينظم تجليات الطبيعة واتساقها ويترجم الطبيعة إلى شكل تعبيري من ناحية أخرى.
تستخدم لنا عبد الرحمن في خيوط روايتها للتعبير عن شخوصها الراوي الإطاري الذي يتحدث عن معظم التجربة، ثم تدخل الشخصية بصوتها في المقطع الأخير، وهذا المزج بين الداخل والخارج، أو الراوية المرأة والشخصيات النسوية، يناسب مفهوم المشاركة في السردية الكلية أو التفاعل بين الطرفين، فمثلما تظهر الشخصيات من خلال زينة التي تكتشفهم في وادي الأجنة، تظهر زينة من خلالهم أيضا، فالإدراك تجربة مشتركة بين الذات والعالم أو الموضوع.
رؤى نسوية
تنطلق الرواية من رؤى نسوية واضحة تتمثل في زينة وشخصيات الخيوط الستة (آلارا، آلارا الحسيني، ميري مجيد، آني داديان، رحمة، شمس الصباح)، لكنها تنفتح في تلقيها على الإنسانية كلها ولا تستخدم خطابا مغلقا في طرح أفكارها، وتعد البنية السباعية التي يرتكز عليها النص استعادة لمسرحية الكاتب الإيطالي لويجي بيرانديلو “ست شخصيات تبحث عن مؤلف”.
لدى لنا عبدالرحمن نسق إبداعي جمالي، يتشكل منه المحتوى الدرامي للقصة داخل الرواية ويربط بين مكوناتها، وعناصر النسق الذي ارتكزت عليه الرواية تمثل في: الخروج أو الرحلة سواء كانت إجبارية أو اختيارية، التعلم عبر أستاذ أو ملهم أو مساعد سحري ينظم إدراك البطلة، موت المعلم مما يفرض على الذات اختيار الحياة من داخلها، العنصر الذكوري وهو المعارض الأساسي أمام التحقق من خلال ممارسته السلطة المجتمعية ويشغل أحيانا موضع المساعد حينما يكون مفكرا مثقفا، الاستفادة من مرجعيات العلوم والفنون في تشكيل وعي الذات بما يجعل الرواية مساحة تتجلى فيها الثقافة الصانعة للحضارة عبر الزمان.
إن رواية “تميمة العاشقات” للمبدعة العربية لنا عبدالرحمن رواية طموحة سعت لتغطية فضاءات مكانية شاسعة وفترات زمنية كبيرة، وتعد الرواية في وظيفتها أو غايتها محاضرة حيوية في علم الجمال، فهي تربط بين الفنون القولية المتمثلة في السرد والشعر مع الفنون الخطية المتمثلة في الرسم والفن التشكيلي مع الموسيقى التي ظهرت عبر الأغاني والموشحات، كل هذا جنبا إلى جنب مع فن العمارة، لتستخدم كل هذا لأجل الربط الحضاري لتدلل على تكرارية التاريخ لأحداثه وتجاربه الإنسانية، فالإبداع يمنح نموذجا حيويا يضيف إلى الاختبارات البشرية فرديا أو جمعيا تجارب خاضتها إنسانيتنا وتوارت بالنسيان، ولعل أحد أهم أدوار المبدع مقاومة النسيان عبر وضع مادة التاريخ أمامه علميا وافتراضيا وصياغة النماذج الفنية في عالم يحاكي الواقع أو الممكن.
علي قطب
جريدة مكة – السعودية