أغنية لمارغريت
تحاول رواية “أغنية لمارغريت “ للكاتبة لنا عبدالرحمن أن تجد مشهدا تفاعليا للحرب الأهلية اللبنانية وتبعاتها، وعناوينها المجهولة في تقاسيم الممارسات اليومية لحياة الأشخاص وطبيعة تأثيرها عليهم. ( وحده الحب يساعد على مقاومة العزلة الكونية المفروضة علينا ) تشير الكاتبة في روايتها على لسان شخصيتها صاحبة ذلك التوجه المغمور بفكرة العزلة والمشغول بوهم العزلة وأن الحب هو الشمعة الوحيدة القادرة على تعزيز فقه النسيان في ذاكرة العقول المضطهدة.
مارغريت هي الكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس التي كانت بطلة الرواية زينب قد عرفت أعمالها الروائية من خلال مازن الذي التقته بالجامعة وكان يصغرها بعامين فأعطاها نسخة من فيلم (هذا هو الحب) وأخبرها انه مأخوذ من كتاب يحمل الإسم نفسه كتبه يان اندريا عن قصته مع مارغريت دوراس.
وهو الحبيب الأخير للكاتبة الفرنسية عاش معها 15 عاما كان كاتبا في الثامنة والعشرين من عمره وكانت في الخامسة والستين حين بدأت قصة حبهما، كما جاء في هامش الصفحة 5 من الرواية عند تعريف الكاتبة بيان أندريا واستمرت العلاقة بينهما حتى وفاة دوراس.
تبدأ أحداث الرواية بانتقال زينب من ضاحية بيروت الجنوبية برفقة عائلتها ضمن هجرة قسرية بسبب الحرب الإسرائيلية في العام 2006، مستهلة روايتها بـ”الى يان أندريا” جاءت على شكل رسالة من زينب الى اندريا، لأنها وجدت في علاقته بمارغريت معادلا لعلاقتها بمازن.
حيث تتحدث في الرسائل الافتراضية التي تبعثها الى يان أندريا وتتحدث له خلالها عن الحرب ، وتفاصيلها اليومية و تسأله عن السنوات التي أمضاها مع مارغريت دوراس، الى جانب أسئلة حول الزمن لتكسر من خلالها الصمت والعزلة.
زينب في الرواية تمثل تلك الشخصية التي اتخذت من مبدأ الكتابة والرغبة في الحب طرق تفريغ عملية لتقليل من تراكمات الحرب وأبعادها. مبينة من خلال شرحها المتواصل أن الإيمان الحقيقي هو المقدرة على منح الحب بالمطلق، من دون تأثر بالأحـــوال الخارجية.
وعبر رسائلها المتكررة لحبيب الكاتبة الفرنسية مارغريت وهو يان أندريا تسأله دائما عن تفاصيل تلك العلاقة التي جمعته مع إنسانه تكبره بسنين، مسترسله في تأجيج الرسالة بحكايات الهرم الذي أصاب بيروت. ساعية في خلق تلك العلاقـــة الإنسانيـــة في مونولوج أغلفة رسائل لا تحمل عناوين مضمونها النهائي.
تذكر الكاتبة في روايتها تفاصيل المكان والأشخاص للحرب الأهلية، مبينة أن تبعات الحروب حالة إنسانية مشتركة إلا أن طرق معالجتها وتداولها تختلف باختلاف تلك البيئات وطبيعة تفكير الأشخاص في تناولها.
ومن بين تلك التفاصيل في الرواية ” بعد الحرب، تغيرت لغتي، تبدلت حروفي وتداخلت لتشكل لغة أخرى لا أحد يفهمها أبدا، لغة حروفها تشبه حروف الرسالة المتشابكة التي وصلتني عبر الإيميل، والتي لم أفك طلاسمها حت الآن.. أنت لا ترد على رسائلي، وأنا سأستمر في الكتابة، لأني لا أكتب لك، أكتب عنك، وعن مارغريت، وعني”.
وهناك إرتباط بين تلك الشخصية اللبنانية وعلاقتها ببيروت العاصمة ” في بيروت أحس أني أطفو على قطعة فلين، وأن البحر رئتي الوحيدة، لكن المدينة مزدحمة بشاشات كبيرة، شاشات تبث أغنيات بليدة، وإعلانـــات عن الكوكــا كولا ومشروبات الطاقة.
بيروت لا ترى الناس.. ترى صورهم فقط. الفقراء يبدون على الشاشة أكثر تعاسة وفقراً. تعبر زينب في واحدة من رسائلها عن شعورها بالفراغ ( بفراغي الذاتي، وكأنني من دون هوية، البدايات تشعرني بالخوف، إلا أن السعادة تأتي مع الوقت، تتوقف ثانية كأنها الموت) . هكذا قالت مارغريت دوراس. كانت تملي عليك كلماتها، وكنت تكتب.
لماذا أحببتها كل هذا الحب؟ عشت معها ستة عشر عاماً، ورافقتها في رحلتها حتى النهاية”، جاء ذلك في منتصف رسالة كتبتها زينب في جهاز الكمبيوتر ليان معبرة فيها عن مفهوم ثقافة الحب المفقودة، ناقلة من خلالها القارئ إلى أن مجتمعات الحرب والسلم لدينا سواء في الحب كمفهوم إنساني ومطلب الشخص في تحويله إلى حاجة بشرية والتخلص من قاعدة الصراع معه.
نوف الموسى