الربيعي ينبش ذاكرة الخراب في ” أغنية لمارغريت “

 

قدم عبدالرزاق الربيعي في النادي الثقافي مؤخرا محاضرة بعنوان (ذاكرة الخراب.. قراءة في أغنية لنا عبدالرحمن) وقال “إذا كانت القراءة حالة اشتباك مع النص فإن دخول عوالمه لفض الإشتباك تحتم القبض على مفاتيحه، ولعل مفردة ” الخراب “وحقلها الدلالي في رواية “أغنية لمارغريت” للدكتورة لنا عبدالرحمن الصادرة عن الدار العربية للعلوم ببيروت ، تشكل مفتاحا ذهبيا في الرواية فقد وجدت الخراب عنوانا عريضا لها، ذلك لأن الرواية جاءت تدوينا للخراب الذي يغمر المدن والأجساد والأشخاص والأوقات الجميلة والحدائق، فقد رصدت الكاتبة العبث الذي يطال كل ماذكرت حين يزحف الزمن عليها، وتكون الوطأة أكثر قسوة عندما يقيم حلفا مع الحرب كما حصل مع بيروت المكان الذي اختارته الكاتبة مركزا لأحداث روايتها

لكن الكاتبة اختارت “أغنية لمارغريت” عنوانا محاولة منها لاستبدال الخراب بالغناء وهذا مايؤكده أهداؤها لنسختي حيث كتبت “لأننا نبحث عن أغنياتنا الخاصة هنا محاولة للغناء”.

 

ولكن هذه الأغنية هل كانت تعبيرا عن البهجة أم الفجيعة؟

هذا التوصيف يتضح من خلال السياق العام لسير الأحداث رغم أن الطابع التراجيدي هو الذي يغلف الأغنية عموما، ففي (أغنية طائر التم) لتشيخوف يطلق البطل أغنيته بعد أن يشعر أن حياته كانت هباء والمعروف أن طائر التم صامت طوال حياته،لكنه حين يدنو أجله يطلق أغنية هي بمثابة مرثية لنفسه قبل اسدال الستار على روحه.

وفي الأسطورة السومرية حين تهب العاصفة على (أور)، لتدمرها تحمل ننكال زوجة اله القمر معزفها لتغني بين الأنقاض والخرائب، كما دونت لنا أغنيتها وسط خرائب بيروت، كما سنلاحظ لاحقا وللكاتبة لنا جذور ضاربة في الحضارية السومرية

ويقول درويش” وألَّفْتُ عشرين أُغنيةً في هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيهِ” بينما عندما يمتدح الحرية يقول ” ألَّفْتُ عشرَ قصائدَ في مدْح حريتي ههنا أو هناك”.

 

فكيف كانت أغنية لنا عبدالرحمن؟

هذا ما سنعرفه حين ندخل في تفاصيل أحداث رواية”أغنية لمارغريت ” ومارغريت هي الكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس التي كانت بطلة الرواية “زينب” قد عرفت أعمالها الروائية من خلال “مازن”الذي التقته بالجامعة وكان يصغرها بعامين فأعطاها نسخة من فيلم “هذا هو الحب” وأخبرها انه مأخوذ من كتاب يحمل الإسم نفسه كتبه يان اندريا عن قصته مع مارغريت دوراس وهو الحبيب الأخير للكاتبة الفرنسية عاش معها 15 عاما كان كاتبا في الثامنة والعشرين من عمره وكانت في الخامسة والستين حين بدأت قصة حبهما،كما جاء في هامش الصفحة 5 من الرواية عند تعريف الكاتبة بيان أندريا واستمرت العلاقة بينهما حتى وفاة دوراس.

 

لماذا اختارت الكاتبة لنا مارغريت دوراس لتكون إطارا لأحداث روايتها؟ وهل وفقت الكاتبة في ذلك؟

بالرجوع الى أدب دوراس سنلاحظ أن الحب هو محور أعمالها ولكنه يرد في اطار الحب الممنوع أو المقموع ، ويشير الربيعي “حين عرفت زينب تلك العلاقة (علاقة دوراس بيان أندريا) أعجبت بها وما كان من زينب التي فقدت ذاك الحب الا أن تبعث رسائل افتراضية الى يان أندريا، هنا نسأل؟ لماذا لم تبعثها الى مازن حبيبها الذي لفظته الأيام والحرب؟ أهي المكابرة تجعلها لاتفعل ذلك؟ أم أنها أرادت أن تدخل في لعبة افتراضية؟

بالنسبة لي فلا هذا ولا ذاك حيث أرى إن يان هو قناع لغوي وضعته الكاتبة على وجه (مازن) لتكون أكثر حرية في التعبير عن خلجات نفسها فكان بمثابة (حائط مبكى) تسفح عنده دموعها وأحزانها والرسائل ليست سوى كرسي إعتراف تبوح حين تجلس عليه بكل أسرارها.

وحول أحداث الرواية يقول عبدالرزاق الربيعي “تبدأ الصفحة الأولى من الرواية بانتقال زينب من ضاحية بيروت الجنوبية برفقة عائلتها ضمن هجرة قسرية بسبب الحرب الإسرائيلية في العام 2006،، ب”الى يان أندريا” لدرجة ظننت للوهلة الأولى أن الرواية مهداة له حتى تبين من السياق أن السطور الأولى من الرواية جاءت على شكل رسالة من زينب الى اندريا، لأنها وجدت في علاقته بمارغريت التي احتلت صورتها غلاف الرواية في الطبعة التي بين يدي وهي الأولى 2011 معادلا لعلاقتها بمازن موضحة سبب الكتابة له “الكلمات التي أكتبها في العتمة، هذه السطور التي سأكرر كتابتها غدا على جهاز الكمبيوتر لأرسلها اليك تمدني بالقدرة على المقاومة وعلى البقاء وسط هذا العبث”.

ويضيف “وحين نعبر ذلك المدخل الى الصفحات الأخرى نجد أكثر من نواة في الرواية حيث تتعدد خطوط السرد ومستوياته فمن الرسائل الافتراضية التي تبعثها زينب الى يان أندريا وتتحدث له خلالها عن الحرب ، وتفاصيلها اليومية و تسأله عن السنوات التي أمضاها مع ‘ مارغريت دوراس’، الى جانب أسئلة حول الزمن لتكسر من خلالها الصمت والعزلة.وتظل تكتب الرسائل بإصرار مؤكدة انها”لن تضيع ولن أسمح للحرب أن تلتهمها سأهربها في داخلي وأرسلها لك لأن ما بيني وبينك يؤرقني”.

وحين تقرر رؤية مازن وتذهب نحو بيته الذي يقع في شارع متفرع من شارع “الجامعة العربية” تجد أن “الشارع كله صار مثل مستنقع حوله سبخات تشد البشر الى أسفل “ورأت البيوت شبه مهجورة ف”غمرتها رغبة حارقة بالبكاء”.

وعن التقنيات في كتابة الرواية يقول “من الناحية الفنية أرى ان الرواية، تقنيا، تنتمي الى الكتابة الحديثة ربما تماهيا مع دوراس كونها من كتاب الرواية الفرنسية الجديدة (ألن روب غرييه،ناتالي ساروت وغيرهما ) وربما لأن الكاتبة وجدت في الشكل الذي اختارته خير معبر عن مناخات عملها القائم على تعدد مستويات السرد.

  سلطان بن سليمان العبري 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى