أوهام شرقية : نقلت سخونة الواقع العربي والعالم السري للفتيات
تضعنا القاصة اللبنانية لنا عبد الرحمن في مجموعتها الأولي أمام واقع لا يرحم المرأة كثيرا ، ونجد في الكثير من قصص المجموعة العشر باعتبار أن قصة صعود المطر هي تكملة لقصة المعبر ، وقصة ضريح لرماد الذاكرة هي تكملة لقصة سفر ، بطلات مرعوبات والسبب الرئيسي لهذا الرعب هو الخوف من الحمل ، ولا يفرق هذا الخوف بين حمل شرعي أو غير شرعي ، فالعائلة في قصص لنا عبد الرحمن لا تستطيع أستيعاب طفل جديد بسبب الفقر أو الخوف من المستقبل ، وصعوبة تربية أنسان جديد وسط كل هذا الزحام الذي تعيشه العائلة في شقتها الصغيرة وحيها المكتظ بالناس وفقرها المزمن .. ويبدو الحمل في نظر بطلة قصة \”صورة مشروخة\” مرض خطير ينبغي الأحتفاظ بسره ،اذمن خلال وصف القاصة لحالة البطلة يعتقد القاريء أن المرأة مصابة بالسرطان وتخفي مرضها عن الأخرين ، لكنها فجأة تصرخ معترفة بوجه صديقتها .. فاطمة أنا حامل ..ص 16 وفي قصة امرأة فاضلة نجد انفسنا أمام معلمة تعاني من زوجها المدمن علي الخمر الذي يصير عبئا عليها وعلي العائلة فتصير هي بسبب الفقر والحاجة هدفا لمدير المدرسة الجديد ، الكهل المتصابي ، الذي يهدد موظفات مدرسته بالطرد اذا لم يخضعن لرغباته ، حتي جاءها الدور ، فقال لها .. لا تخافي ما رأيك لو نناقش حالتك مساء في بيتي ؟ في التاسعة تماما نلتقي ص45 وبعد سقوطها يتغير حالها الي حال اخر وتنفتح لها الأبواب جميعا ، وتتقن اللعبة ولكنها تتساءل بمرارة في نهاية القصة .. الجميع سيصفق ، ولن يتوقف احد ليسألها كيف أصبحت مربية مثالية ؟ ص47 . ازدواجية حادة حياة المرأة في هذه المجموعة من القصص مقسمة الي حالات أزدواجية حادة بين مخف ومعلن وبين آسر وحرية مطلقة ، وهذا الأختلاط في السلوك نجده واضحا في قصة المعبر وقصة مرايا مكسورة ، فاننا نجد داخل البطلة في القصة الأخيرة فتاتين ، واحدة تشدنا الي طفولتها العذبة وأخري تدفعنا لتلمس هاوية طموحها غير المحدود لتحقق ما تريده بأي ثمن ، وتحاول القاصة في قصة أخري المعالجة الفلسفية .. الفيزيقية .. لمسألة الموت والحياة ، ففي قصة هارب ، تضعنا القاصة أمام بطل يشعر بلا جدوي مريرة أمام الفقر الذي يعيشه مع زوجته وطفليه ويطلب الموت ليخلص من هذا الواقع الصعب والشعور المرير بالعجز ، لكنه حين يري ما يفعله الموت بالأخرين وما يراه علي وجوه الموتي من شحوب وألم يرتعب وينكص عن طلبه ويعود الي طفليه وزوجته راضيا بما قسم له ، لكنه عندما يعود من العمل يجد عند زوجته رسالة تركها له غريب لا يعرفه يقول فيها .. سأعود اليك مرة أخري .. كأنما تضعنا القاصة وتضع بطلها أمام مصير محتوم بالموت طال الأجل أم قصر ، وتسمية القصة .. الهارب .. في اعتقادي لها مدلول عميق ، وتعني فيما تعنيه الهروب من مواجهة الحياة وتمني الموت ، وحتي هذا الموت الذي يطلبه لا يستطيع تحقيقة أو ان يواجهه وسيهرب منه ولا يأتي الموت الا في الوقت الذي يختاره القضاء والقدر . علني وسري تتناول لنا عبد الرحمن في قصص مجموعتها واقع المرأة العربية ، متقصية تخلف هذا الواقع وعدم حياديته أتجاه قضايا المرأة وانحيازه للرجل في الكثير من المواقف والصور ، كما أنها في الكثير من قصص المجموعة جعلت مأساة المرأة مؤاخية لمأساة الرجل والصعوبات التي يواجهانها معا ، متشابهة في مجتمع لا ينظر بموضوعية للحياة وأهداف الوجود السامية ، ويسعي الي تقييم الناس من خلال واقعهم المادي ونجاحهم في جمع الثروة ، حتي لو كان ذلك النجاح تم بطرق غير مشروعة ، وقد تناولت الكاتبة بجرأة قل نظيرها عالم المرأة الداخلي وحياة العازبات بلغة معبرة ، وصور لا تمحي من الذاكرة بسهولة ، واستطاعت أن تنقل القاريء الي حياة المرأة العربية وهي في أدق وأعمق لحظات حياتها ، في لحظات عشقها العلني والسري وما يدور عادة خلف أبواب العائلات من مشكلات آسرية بسبب تعدد الزوجات وظهور الزواج العرفي كحل لأزمة مستعصية للعزاب والعازبات الذين لا يستطيعون مواجهة الناس بزواج علني ، والقاصة هنا تفتح لقارئها الأبواب المغلقة ليشاهد ما يحدث في شقق العزاب من مآسي الفتيات في الزواج العرفي وزواج المسيار وتبعات ذلك الزواج الصوري وغيره من وسائل خداع الفتيات المراهقات ، ويسمع ما يدور وما تعانيه الفتاة العربية منذ سنوات مراهقتها الأولي ومحاولتها ولوج العالم من خلال معرفة عالم الرجل الذكوري والأقتران به .. القاصة لنا عبد الرحمن أقتربت من الواقع العربي كثيرا في هذه المجموعة القصصية الجريئة ، ونقلت لنا سخونته وفوضاه بلغة شفافة وبعين كاميرا ذكية قربتها من وجه المرأة العربية ونقلت لنا تفصيلاته الكثيرة .
—-
– كاتب المقال قاص وناقد عراقي يقيم بالمغرب.
فيصل عبدالحسن