دراما الإعلانات
بات االسؤال عما تتابعه من مسلسلات في شهر رمضان، سؤال يتكرر كلما التقينا بأحد من الأقارب أو الأصدقاء. هذا لأن الكم الهائل من المسلسلات الدرامية قد وصل عددها إلى 160 مسلسلا ما بين مصري،وسوري، وخليجي. كما كشفت إحصاءات عام 2010 من وكالات الإعلان العربية أن الإعلانات في شهر رمضان هذا العام حققت أعلى معدل لها توازيا مع الكم الهائل لمسلسلات هذا العام. ولعل هذا هو الهدف المنشود من عرض كل هذا الكم من الأعمال الدرامية، أن تحقق نسبة عالية من الالتفاف حولها، كي تقدم عبرها الإعلانات التي تُكسب القناة ملايين الدولارات. وعلى الرغم من أن الحلقات الأولى من أي عمل درامي تكشف مستواه، وما إذا كان يستحق المتابعة أم لا، إلا أن النتيجة هو أن المسلسل مهما كان مستواه سيستمر في العرض، وفي جذب الإعلان، لأن آلية عمل الإعلان تبدأ من قبل وقت عرض المسلسل، أي أن الإعلانات تتكثف من خلال نجوم العمل الدرامي، المعروفين مسبقاً بجذبهم للمشاهد، على الرغم أن الإعلانات تمثل عامل طرد للمشاهد لأنها تشتت الانتباه.
لكن ولأول مرة، في هذا العام، تظهر أصوات تطالب بمقاطعة الدراما الرمضانية، وتم التعبير عن ذلك عبر حملات على الفيسبوك. الدعوة إلى مقاطعة دراما رمضان ليست جديدة، ففي السبعينيات علت أصوات برلمانيين في عدد من الدول العربية للمطالبة بوقف الدراما وخصوصا الفوزاير باعتبارها لا تتناسب وروح الشهر الفضيل، ولكن الجديد في عام 2010 هو أن الوسيلة التي يعبر بها الناس عن آرائهم اختلفت تماما، فموقع الفيس بوك أصبح بمثابة مقياسا للرأي العام العربي.
إلا أن الدعوة إلى مقاطعة أو مشاهدة المسلسلات لن تؤدي إلى التغيير، لأن الأمر ليس في يد المنتج أو المخرج بل في يد شركة الإعلان. لكن هذا الوضع كما يبدو لن يتغير، أي أن بث كم هائل من الأعمال الدرامية سيستمر عاماً تلو آخر، لأن سيطرة الإعلان هي التي تحُول دون خلق مواسم متنوعة على مدار العام لعرض الدراما، فشركات الإعلان تتسابق على شهر رمضان فحسب من أجل العرض، لأن القنوات الفضائية تدفع أسعارا زهيدة في غير شهر رمضان لعرض المسلسلات نظرا لقلة عدد الإعلانات في بقية أشهر العام.
أصحاب الدعوة لمقاطعة الأعمال الدرامية على الفيسبوك، يرون أن هذا ضرورة، إذ بمرور الوقت ستضطر وكالات الإعلان إلى تقليص المسلسلات وبالتالي الإعلانات، لأن الجمهور سيهرب ويمل من تخمة المسلسلات في رمضان وحينها ستبدأ شركات الإنتاج والإعلان والمخرجون والكتاب في إيجاد حل بديل. وهذا لحل يركز على النوع وليس الكم. مما يؤدي إلى عودة الكتاب والمخرجين مرة أخرى إلى إنتاج المسلسلات ذات السبع أو الخمس حلقات التي تعرف باسم الخماسية والسباعية، وخلق مواسم درامية غير شهر رمضان، واللجوء إلى ممثلي الصف الثاني لأنهم أقل سعرا من نجوم الصف الأول، وبالتالي ستنتهي بالتدريج ظاهرة سيطرة النجم الواحد على المسلسل التي تؤدي إلى رفع سعر المسلسلات والإعلانات لأقصى حد لتغطية أجر النجوم الكبار.
إن حالة الإنقسام حول الدراما، سواء عبر الفيسبوك أو غيره، تشير إلى حالة من الجدل تثيرها الدراما الرمضانية، وربما من الأجدى أن يكون الشغل الشاغل لمستخدمي الفيس بوك الذين يتناولون دراما شهر رمضان بالجدل حول تأييدها أو بمقاطعتها، أن يتحول من حديث حول الكم إلى حديث حول الكيف وأي المسلسلات أقوى وأي النجوم أفضل، بدلا من إختيار الحلول المتطرفة في الرفض التام، أو القبول التام.
د. لنا عبد الرحمن