خبايا المتاحف
* ربما لن نصدق للوهلة الأولى، أن هناك متحفا شُيد خصيصاً لتخليد الجرائم، وما فيها من تذكارات، وأحداث، وأشياء تخص جريمة معينة وتميزها عن غيرها من الجرائم. لكن هذا موجود فعلا في العاصمة الأميركية واشنطن، فقد تم افتتاح متحف غير مألوف تحت عنوان ” متحف الجريمة والعقاب”، وهذا المتحف يضم العديد من المقتنيات والتذكارات الخاصة بأشهر المجرمين في أميركا، ممن أسهموا في صنع تاريخ البلاد، من قتلة متسلسلين، وزعماء مافيا، ولصوص بنوك، إلى جانب من يُسمون “بالأبطال” أي رجال الشرطة والقانون ممن لعبوا دورا في إحباط جريمة كبيرة، أو إلقاء القبض على مجرم عتيد.
ومن طرائف الخبر أن المتحف يضم من بين مقتنياته سيارة فورد حمراء، طراز 1933، للص المصارف الأسطوري جون ديلنغر، وديلنغر هذا يُعتبر من أشهر مجرمي أميركا في ثلاثينات القرن الماضي، حيث لُقب بجون الأرنب، لخفة حركته وسرعته في تنفيذ عمليات السطو.
لكن الأهم أن المتحف فيه جناح خاص يضم تصميماً للزنزانة التي أمضى فيها آل كابوني عقوبته في السجن، وهو عراب المافيا الأشهر الذي عُرضت سيرة حياته في أكثر فيلم سينمائي، وتلك الزنزانة فيها الأثاث الكامل الذي كان يستخدمه،بالإضافة إلى مقتنياته الشخصية.
وهذا المتحف العجيب لا يقتصر فقط على مقتنيات اللصوص والمجرمين، بل إنه يُفرد مساحة لإبراز دور الشرطة وذلك عبر عرض الأفلام والبرامج والوثائق الخاصة بالقبض على المجرمين، وعرض أحدث التقنيات العلمية المستخدمة في مكافحة الجريمة، وآلية الكشف عن المجرمين، وما يستخدمونه من حيل للفرار من العدالة، وكيف يتم كشفهم والإطاحة بهم. ولعل هذه الخطوة تأتي كي يتم تخفيف وقع هذا المتحف العجيب على زواره بأنه لا يقوم بتعظيم دور المجرمين فقط، بل إنه يحتفي برجال القانون ومحاربي الجريمة الذين كانوا السبب في القبض على هؤولاء المجرمين وبالتالي حلول مقتنياتهم في المتحف. ربما لا يسعنا القول سوى وللناس في متاحفهم مذاهبُ!
* لم يمر شهر بعد على سرقة لوحة ” زهرة الخشخاش” _لفان جوخ_ من متحف محمود خليل في القاهرة، فقد سُرقت اللوحة في وضح النهار، لكن حتى الآن لا حس ولا خبر عنها، ولم يحصل سوى اتهامات متبادلة بالإهمال وعدم تقدير حجم المسؤولية_ بين وزير الثقافة من جهة، ومساعديه من جهة أخرى. لكن بماذا يجدي هذا كله، بما أن الأسابيع تمر ولا أثر أو ذكر لمعلومة شاردة أو واردة تُلمح لمكان اللوحة المفقودة.
العالم السفلي لسرقة الأعمال الفنية يحفل بكثير من السيناريوهات التي تُطرح عادة عند سرقة عمل فني مهم، بمكانة ” زهرة الخشخاش”. هناك فرضيات عدة، قرأنا عنها في الصحف، والمجلات، منها أن اللوحة المسروقة ستدخل ضمن صفقات خفية لتجارة الأسلحة والمخدرات، أو أن هذه اللوحة ستكون رهينة عند بعض الإرهابين بهدف تنفيذ مطالبهم. أو أن هذه اللوحة ستختفي عن الأعين لمدة من الزمن حتى يتوقف البحث عنها، ثم يتم بيعها بسعر متوسط القيمة، حتى تتنقل بين عدة أشخاص وتظهر إلى النور بشكل معلن في إحدى المزادات. هناك احتمال آخر أن يتم بيع اللوحة على اعتبار أنها نسخة مقلدة تقليداً متقنا، وليس على اعتبارها اللوحة الأصلية.
وأمام كل هذه الاحتمالات المطروحة، ما يمكننا استنتاجه من حادثة سرقة لوحة ” زهرة الخشخاش”، أن السرقة في مطلق الأحوال ليس لها علاقة بالغرض الفني، أي أن سارقي اللوحات لا يعنيهم قيمة اللوحة التاريخية، وإلا كانوا تركوها في المتحف، بل إن هدفهم الفعلي ينحصر في الملايين التي ستعود عليهم من وراء هذه السرقة. الأمر الآخر هو أن الإهمال الفادح في متحف ” محمود خليل” هو الذي قاد إلى هذه النتيجة، أي أن عدم الوعي بقيمة اللوحات والتحف الفنية الموجودة في المتحف كان فعلاً مستساغاً وملحوظاً بالنسبة للصوص، لأنه سهل لهم السرقة في وضح النهار.
لذا يبدو الأمر محزنا جدا، أن يكون لدينا أشياء لا نعرف قيمتها. أن نترك نوافذ وأبواب بيوتنا مشرعة على الريح. ربما علينا التعلم من القائمين على ” متحف الجريمة والعقاب” كيف يحافظون على مقتنيات مجرميهم، ويحولون دون سرقتها من أي لص متاحف عتيد.
د. لنا عبد الرحمن