صندوق الدنيا
يشبه عالم الإنترنت مدينة سحرية، لأنه يحمل من المفاجآت ما يفوق توقعاتنا. ففي هذا العالم المفتوح، لا نتحرك في مساحة جغرافية محددة، بل نكون منفتحين على العالم كله. يمكننا ملاحظة هذا عبر تزايد الإقبال على المواقع الإلكترونية، والمدونات، ومواقع الأفلام والأغاني، وغير ذلك. أي أن كل ما يبحث عنه المرء من الممكن أن يجده عبر شاشة الكمبيوتر الصغيرة.
لكن ماذا سيحصل لو اكتشف أحد الأشخاص وهو يتجول في عالم الإنترنت جريمة تتعلق باحد يخصه؟
في خبر طريف ورد عبر وكالات الأنباء أن مواطنا بريطانيا أصيب بالذهول الشديد بل بالفزع وهو يشاهد مقطع فيديو تم بثه على الإنترنت على موقع “يوتيوب”، حيث تعرف الرجل على ابنه وهو يحاول السرقة، ويعاونه شخص آخر، فقد قاما بتوقيف سيدة تحت تهديد السلاح امام ماكينة صرف آلي تخص أحد البنوك ، ولكنهما سرعان ما ذهبا خاليي الوفاض بعدما أبلغتهما المرأة أن شدة الرعب أنستها الرقم السري الذي تستخدمه في سحب الأموال. وتكمن المفاجأة في أن الأب أسرع بتسليم ابنه الشاب إلى الشرطة.وربما يكون هذا التصرف من حسن حظ الأبن كي يرتدع عن فعلته ولا يقوم بتكرارها مع ضحايا آخرين.
لكن ليس كل ما يأتي به الإنترنت، على شبه حادثة الرجل الذي اكتشف ان ابنه سارق. فمن خلال الإنترنت أيضا تمكنت العجوز الجزائرية المعمرة رحمة من امتلاك مأوى آمن يحفظ كرامتها هي وابنها، ويرحمهما من وحشية الرصيف. حصل هذا بفضل حملة قام بها متطوعين على الموقع الاجتماعي ”فيس بوك”. فقد ظلت هذه المرأة التي شارفت على دخول عامها المائة – تواجه شظف العيش بين حائطين جاد بهما أحد المواطنين بالمدينة، وقام الابن الوحيد المرافق لها بعد هجر الآخرين، بتغطيته من الأعلى بالخشب والبلاستيك، بينما ظل المكان مفتوحا في كافة جوانبه على نوائب الطبيعة والكلاب الضالة والعقارب. إلى أن دقت ساعة الفرج بتحرك أحد المواطنين، حيث قام بتحريك حملة إنسانية عبر ”الفيس بوك”، قادتها جماعة من المتطوعين يدعون ”جماعة ناس الخير”، حيث تمكنوا بعد جهد من إقناع الابن بنشر صور عن وضعيته والدته على الموقع. وفي أقل من أسبوع، تحركت السلطات لزيارة ”رحمة” من قبل الوالي ثم رئيس الدائرة، وأمرت بنقل العجوز إلى المستشفى لإجراء فحوص والتكفل بوضعها الصحي المتدهور. لكن هؤلاء المتطوعين لم يكتفوا بمحاولات إيصال حال تلك العجوز إلى السلطات، بل تكفلوا بجمع تبرعات لشراء شقة لها. لكن قبل أن يكتمل المشروع منحت السلطات رحمة شقة في حي الوئام بمدينة الأغواط. كما تم نقل العجوز إلى المستشفى لإجراء فحوص والتكفل بوضعها الصحي المتدهور.
أما الأقوال والأحاديث الطويلة عن دور الإنترنت في إشعال الثورات، ففيه جزء من الحقيقة من جانب تسهيل التواصل والتفاعل بين الشباب العربي، عبر الدعوة الى التظاهرات من خلال مواقع التواصل الإجتماعي مثل فيسبوك وتويتر.
ربما بكل هذه الأسباب يشبه الأنترنت المدينة السحرية، أو صندوق الدنيا، التي كان الأطفال فيما مضى يشاهدون عبر عينه السحرية صورا وأشكالا تبهرهم، لكن الإنترنت عالم سحري يُبهر الكبار والصغار على السواء.
د. لنا عبد الرحمن