يوتيوبرز عربي

 

يشبه الدخول إلى عالم اليوتيوب الحكاية الواردة في قصص” ألف ليلة وليلة”، عن الرجل الذي أرسل ثلاثة من أبنائه وطلب منهم أن يحكوا له عما شاهدوه فيها. فكانت اجابات كل منهم مختلفة تماما عن الآخر.

واليوتيوب من مواقع التواصل الإجتماعي الذي يسمح لمستخدميه برفع التسجيلات المرئية مجانا ومشاهدتها عبر البث الحي بدل التنزيل ومشاركتها والتعليق عليها وغير ذلك.إنه عالم سحري جذاب، ملون ، خيالي ومخيف، لأنه يحاكي ما بداخل كل انسان، وبإمكان أي فرد أن يجد فيه ضآلته، من الفن، السياسة،الموسيقى، الدين، التعليم، الأفلام ،المسلسلات ،الغناء والرقص، النكات البذيئة، الفيديوهات الخليعة، قنوات الطبخ والماكياج والتجميل، قنوات تحفيزية، إلى قنوات السحر والماورائيات والتعليم والصحة، والسفر والرحلات. باختصار كل شيء في هذا العالم صار هناك ما يمثله في قنوات اليوتيوب. فقط علينا الإختيار، وإنشاء قائمة بالأشياء المفضلة، طبعا مع الإشتراك بالقنوات التي نحب أن يأتينا كل جديد منها، ولا ننسى طبعا من الكبس على الجرس.

لعل الحديث عن التأثير الاجتماعي الذي يحظى به موقع يوتيوب يتجاوز حدودا محصورة في مكان أو زمان، لأن شمولية المحتوى الذي يتضمنه يجعله قادرا على مخاطبة مختلف الطبقات والشرائح الإجتماعية مهما تنوعت واختلفت توجهاتها ، لكن يظل المحتوى الفني هو الأكثر حضورا وتأثيرا، مثلا يُعتقد أن فيديو “بيبي” للمغني جاستن بيبر هو أكثر الفيديوهات مشاهدة على موقع اليوتيوب، بعدد يزيد عن مليار شخص إلاّ أنّ فيديو المغني الكوري الجنوبي ساي غانغنام ستايل، تجاوزه في أبريل 2014 بحصوله على ملياري مشاهدة. أما عن الكليب الأكثر شعبية في العالم كله فهو الذي حققته أغنية “ديسباسيتو”، التي حظيت بانتشار يشبه النار في الهشيم في كل أصقاع الأرض، بحيث  تجاوز عدد المشاهدات 6 مليارات مشاهدة ، وهي أغنية ثنائية مشتركة بين “لويس فونسي” و”دادي يانكي”.

وفي النصف الثاني من عام 2019، تصدر تطبيق اليوتيوب قائمة التطبيقات الأعلى دخلًا بنسبة نمو 220% من الإيرادات سنويا.

 

يوتيوب عربي

الحديث عن تأثير اليوتيوب  وحضوره في العالم العربي، يؤدي للتوقف أمام ظواهر تطرح أسلوبا جديدا في العرض والتلقي، أهمها غياب فكرة الشكل والعمر والنوع، في مقابل الثقة والحضور والجاذبية، هذا ينطبق على نماذج كثيرة لقنوات لا يتمتع أصحابها وفق قوانين الإعلام التقليدية بالشباب والوسامة التي ينبغي أن يتحلى بهما مقدم أو مقدمة أي برنامج. الحال في اليوتيوب مختلف تماما، حيث يختار الشخص الذي لديه الثقة في نفسه أن يبث عبر قناته الخاصة حلقات مسجلة حول موضوع ما يرى أنه بارع فيه، ويتوجه مباشرة إلى جمهور  يكون مجهولا في البداية، ثم لا يلبث أن يصير معروفا عبر اللايكات والمشاركات والتعليقات. ولا يتردد بعض اليوتيوبرز في الطلب من المشاهد  بوضع اللايك وقرع الجرس في حال أعجبه الكلام المنشور.

استطاع اليوتيوب العربي أيضا أن يخلق نجوما معروفين ومشهورين ضمن هذا العالم، يتنافسون ويحققون انتشارا، ويتلقون مبالغا مالية كلما حققوا مزيدا من الانتشار والشهرة، وتُعتبر الكوميديا والموسيقى والرياضة هي الفئات الأكثر شعبية. وترتبط أيضا المشاهدات عبر اليوتيوب بأشهر معينة، حيث ترتفع مثلا في شهر رمضان مشاهدة الفيديوهات الدينية، والمسلسلات وأغانيها، بالإضافة إلى قنوات الطبخ، وفي أوقات الأحداث الرياضية يحقق الموقع نسبة عالية من المشاهدة في الرياضة، واللافت للنظر في الأمر أن اليوتيوبرز أنفسهم يتتبعون الأحداث السياسية الإجتماعية والرياضية  وغيرها ويقدمون  من وجهة نظرهم محتوى يتناسب معها زمنيا.  لذا تبدو كلمة “صحافة المواطن” متحققة بشكل فعال وتطبيقي في اليوتيوب، الذي يتوجه للجمهور مباشرة، ويعرض نماذجا حقيقية من الواقع : سيدة أربعينية تحكي يومياتها في مطبخها بالصوت والصورة ويصير لها أتباع ومشجعين، فتاة عشرينية تقدم نصائحها للدراسة وتنظيم الوقت، شاب يشرح طريقته في دراسة اللغات وتحدي العقبات في الحياة، كثيرة جدا هي النماذج التي لا يمكن حصرها، وكل نموذج يدعي أنه يقدم الأفضل.

لكن تحقيق الانتشار والنجومية، ليس بالأمر السهل في موقع مثل اليوتيوب يتشابه فيه المحتوى كثيرا، وتبدو عشرات القنوات بما تتضمنه  كأنها تستنسخ المعلومات من بعضها البعض، خاصة تلك التي تُقدم المعلومات الصحية والوصفات الشعبية، أو تجارب الطبخ. بعض القنوات تبدأ جادة وفيها شيء من الخصوصية بفعل الهوية والأصول القادمة من مكان ما، ثم سرعان ما يتحول أدائها إلى نوع من الاستخفاف والاستسهال بغرض الحصول على مشاهدات أكثر.

أما  الحروب بين اليوتيوبرز فيمكن وصفها “بالشرسة” حيث المجاهرة بالعداء بسبب المنافسة، ورغبة أحد الطرفين أو كلاهما في تهشيم  مصداقية الآخر وسمعته، فتبدأ الحرب عبر التعليقات المسيئة والمحرضة، مع تجييش حشود الكترونية تدعم المهاجم، هذا يحدث كثيرا ويؤدي ببعض اليوتيوبرز إلى التوقف عن بث فيديوهات جديدة ريثما يلتقطون أنفاسهم، فيعودون للساحة من جديد أو ينسحبون منها تماما.

ينطبق هذا الحديث عن اليوتيوب العربي محليا، بحيث لا تتجاوز شهرة أي يوتيوبرز العالم العربي فقط، أما عالميا فلم يتمكن أي من المشاهير  العرب سواء في الفن أو السياسة من تحقيق شهرة عالمية لتصل إلى أمم أخرى. ففي احصاء فيديوهات 2018 الأكثر مشاهدة على اليوتيوب عبر العالم كله، تصدر القائمة فيديو لعارضة الأزياء الأمريكية الشابة، كايلي جينر، الأخت الصغرى لكيم كارداشيان، وهي تستعرض رحلة حملها بطفلها الأول ، واستطاع أن يحصد أكثر من 53 مليون مشاهدة بعد مرور أول أسبوع فقط من طرحه. وتضمنت قائمة الفيديوهات العشرة، قناتين للبث من الحياة الواقعية، عنوان الفيديو الأول  :

Real Life Trick Shots

والثاني We Broke Up

وتضمنت القائمة قناة من الهند، وأخرى من الصين، وكوريا، بالإضافة إلى واحدة عن كرة القدم وأخرى عن الكارتيه.

 

منطق التلقي

أدرك أصحاب الكثير من المهن أن اليوتيوب وسيلة من وسائل الوصول إلى الجمهور، فنجد طبيب نفسي يقدم نصائحه مدركا أنه عبر فيديو قصير لعدة دقائق سيجلب له زبائن لعيادته، هذا الفيدو تتجاوز أهميته الظهور التلفزيوني على إحدى القنوات الفضائية، نشاهد أيضا خبيرة ديكور تقدم نصائحها، وبين ليلة وضحاها يتردد اسمها على الألسن، ويطلب مشورتها الكثيرون.

يمكن القول بسهولة أن اليوتيوب قلص المسافة بين المقدِم والمقدَم له، وأصبح الشخص الباحث في اليوتيوب عن ضآلته يبحث عما يشبهه داخليا ويحاكيه، انطلاقا من هنا نشاهد سيدات عجائز يقدمن بثقة وصفاتهن ونصائحن وطبخاتهن في جو أمومي أليف يحظى بمشاهدة من مختلف الاعمار.

في المقابل وعلى اعتبار اليوتيوب وسيلة إعلامية لا يمكن اغفال الجانب التقني فيها، تؤثر نوعية الكاميرا، الإضاءة، زوايا التصوير على النتائج ككل. وكلما توفرت هذه العناصر  كلما بدا الفيديو احترافي أكثر وجذاب للمشاهدة ، ولعل البحث عن الاحتراف في تقديم فيديوهات تتوفر فيها المعايير الفنية يمكن ملاحظته مع تتبع حلقات اليوتيوبرز ومقارنة الفيديوهات المقدمة في بداياتهم وبعد سنة مثلا من انطلاق القناة واستمرارها.

 

تاريخ يوتيوب

يعتبر موقع يوتيوب بحسب إحصائية موقع أليكسا ثالث  أكثر المواقع شعبية في العالم حاليًا بعد موقعي فيس بوك وجوجل ،. وفي يوليو 2006، صرح المسؤولون عن الموقع بأن عدد مشاهدة الأفلام من قبل جميع الزوار يصل إلى 100 مليون يوميًا. كما اختارت مجلة “تايم” الأمريكية موقع يوتيوب على الإنترنت كأبرز موقع عام 2006 لدورهِ في إعطاء الفرصة لزواره في إنتاج المواد التي يعرضونها.

وقد تم تأسيس هذا الموقع  في 14 فبراير سنة 2005م، من قِبل ثلاث موظفين سابقين من شركة “باي بال” هم تشاد هيرلي وستيف تشين وجاود كريم، في مدينة سان برونو، وكان يستخدم تقنية برنامج أدوبي فلاش لعرض المقاطع المتحركة، أما الآن فيعتمد تقنية (اتش تي ام ال 5).. وهو حاليًا مزود بأكثر من ألفي موظف. وفي أكتوبر 2006 أعلنت شركة جوجل  التوصل لاتفاقية لشراءه مقابل 1.65 مليار دولار أمريكي. لذا تأتي تقديرات الإيرادات من متجر تطبيقات جوجل بلاي في جميع أنحاء العالم، ما بين 1 أبريل  و30 يونيو من كل عام.

لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى