صوت وصورة

 

يتفانى العلماء في اختراع أجهزة الاتصال وتطويرها وتحديثها وفي اختراع برامج للاتصال ،وفي إضافة الكاميرات لأجهزة المحمول،وبرامج المحادثة لأنظمة الكمبيوتر…يحدث كل هذا لايجاد وسائل تساعد في إفساح مجالات للتواصل ، وطرق لتقريب البعيد وكسر حواجز المسافات النائية التي تفرق الأبناء، الأحبة،والأصدقاء. ولو تابعت مثلا أي اعلان عن شركة اتصال ما .. ستجد أبرز ما يتضمنه الأعلان التأكيد على أنك مهما كنت بعيدا،بل وأينما كنت في الصحراء أو فوق أمواج البحر سيستطيعون الوصول إليك وسيصل صوتك بل وصورتك أيضا لمن تريد ان تصل اليهم.

بالفعل يحدث كل هذا ولكن في الوقت عينه الثابت حقا أن الناس تعيش أزمة تواصل،واغتراب اختياري بات أمرا واقعا استسلم له الجميع وصار موازيا لحياتهم العصرية، فالجيران المتلاصقة أبوابهم قد تمر سنوات وهم متجاورين من دون أن يعرف أحدهم الآخر،والأصدقاء صار تواصلهم عبر الهاتف أو الرسائل القصيرة أو عبر الأيميل أسرع من تحديد موعد للقاء أسبوعي.وحتى لا نذهب بعيدا وإن تأملنا قليلا في حياتنا سنجد هذا واقعا روتينيا قلما يستوقفنا للتفكير في تغييره،واقعا دخل حياتنا وصار جزءا منها ولا يستثنى من هذا الكلام سوى علاقات الجيرة أو الصداقة المحكومة بالزمان والمكان أي بمعرفة قديمة ووجود مكاني مثل الجيرة أو العمل.

صار من السهل جدا أن يقوم الفرد بمحادثة عبر الماسنجر على أن يتواصل مع صديق قريب،وهذا لا يعني أيضا أن الصديق القريب أفضل من محادثة (الشات)،بل يعني فقط أن رغبة الانسان المعاصر في بذل الجهد حتى المعنوي منه تقل يوما بعد يوم.هذا لو اتفقنا طبعا أن أي صلة انسانية بين اثنين من البشر تحتاج الى جهد متبادل بين الطرفين،وفي حال وجود ميل في أحد كفتي الميزان،أعني كسل في البذل المعنوي فإن العلاقة ستفتر تدريجيا وهذا أمر عادي جدا،فما بالك اذا كان هذا الكسل متبادل.

علاقاتنا الانسانية في هذا الوقت باتت حاضرة عبر الصوت.

الصوت هو الأداة التي تختصر وجودنا البشري بالنسبة للآخر،أنا أستمع لصوتك إذن أنت بخير،بعبارة أخرى أنت مازلت حيا،فالصوت ناقل أمين لحالات الفرح والحزن  الشجن السخرية  والامبالاة أيضا،مع استثناء فئة من الناس يمكنهم التحكم بطبقة صوتهم عبر عزلها عن الأحساس الحقيقي في دواخلهم فتأتي أصواتهم  باردة محايدة تماما لا تنبأ المتلقي بأي حدث.ورغم هذا الدور المؤثر والمهم الذي صار الصوت يلعبه في حياتنا فقد أدى الى تضاءل وجودنا المادي كبشر ملموسين  من  حياة حقيقية، ومن لحم ودم ،وصار يحل بدلا عنا ككائنات بشرية صوتنا عبر الهاتف المحمول أو جهاز الكمبيوتر،وتحل معه صورتنا أيضا.هكذا يتم اختصار وجودنا الى نسخة الكترونية من صوت وصورة يتمكن الأحبة من الحصول عليها عبر امتلاكهم احدى هذه  التقنيات التي تسهل الاتصال،يحدث هذا حقا لكنهم لا يحصلون أبدا على عذوبة لمعان الأعين،ولا على ملمس السلام  الودود،ولا على خصوصية الألفة الغائبة.

إنها أشياء بسيطة تضيع منا في الطريق يوما بعد يوم…وربما يأتي يوم ما تتمكن  فيه التكنولوجيا من نقل الرائحة أيضا بعد ان نقلت الصوت والصورة.

  د.لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى