ذاكرة إلكترونية

 

كم مرة فقدت هاتفك المحمول، وضاعت معه كل الأرقام التي خزنتها ذاكرته؟ ووجدت نفسك بحاجة للاستعانة ليس بصديق واحد؛ بل بالأهل والأصدقاء والجيران كي يساعدوك على جمع الأرقام التي فقدتها.. كم مرة اصاب بريدك الألكتروني أحد الفايروسات التي أدت لخسارة “إيميلك” بعد سنوات من استخدامه ومعرفته بين كل من يتواصل معك حتى صار لصيقا بك كاسمك؟ وكم مرة احتجت الى تحديث كمبيوترك فقادك الأمر الى خسارة العديد من الملفات؟

لا تنتهي حوادث الخسائر التكنولوجية، بل تتضاعف وتزداد يوما بعد يوم وكلما ازدادت التقنيات التي تمكن الإنسان من الاستغناء عن ذاكرته والاتكال على ذاكرات إلكترونية يصير استخدامه للذاكرة محدودا وضيقا للغاية، إذ نعتمد على التكنولوجيا في حفظ الأرقام والعناوين وتشكيل بطاقة كاملة للشخص الواحد نذكر فيها كل بياناته بحيث تختصر علينا الجهد والوقت، كما نعتمد عليها في الكتابة وفي تبادل الرسائل، وفي القيام بالعديد من المهام التي كانت تستغرق سابقا الكثير من الوقت والجهد.

يحدث هذا الأمر لأننا لا نستطيع إلا أن نكون ضمن العصر الذي نعيش فيه. هذا العصر الذي تحكمه التكنولوجيا التي تمنح الإنسان رفاهية أن لا يستخدم ذاكرته، وتتركه في ذات الأوان عرضة لفقد كل ما خزنه من أرقام وبيانات وملفات مهمة في أي من الفايروسات الشاردة.

آخر طرائف الحوادث الألكترونية تتعلق بأحد الجنود الأميركيين الذين قتلوا خلال وجودهم في العراق، بعد موت هذا الجندي طلبت عائلته من شركة “ياهو” أن تمنحها الباسورد الخاصة بإيميله ليتمكنوا من الدخول إلى بريده الالكتروني، لكن الشركة رفضت على اعتبار أن البريد الالكتروني شخصي جدا ولا يحق لأحد أن يطلع عليه. لكن العائلة رفعت الأمر للقضاء في إصرار منها على أن لها الحق في الاطلاع على رسائل ابنها.

تقودنا هذه الحادثة للتفكير بكل ما يتعلق بالذاكرة الألكترونية… هذه الذاكرة التي تنطوي في أجهزة الكمبيوتر دون أن تجد من يرثها. ففي زمن سابق كان من الممكن أن يستدل من الرسائل المتبادلة بين الأشخاص على كثير من الأسرار والحكايا وعلاقات حب استمرت لأعوام طويلة يكون الشاهد عليها رزمة من الخطابات يعثر عليها ابن أو حفيد ويكشف عنها للعالم الخارجي حين يكون أصحابها من الشهرة بحيث تثير حكاياتهم لهفة وتشوق الناس لمعرفتها.

ومع وجود التقنيات الحديثة في التواصل اختلف الأمر كثيرا، وصار كل ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية من رسائل متبادلة سواء بين الأصدقاء أو الأحبة يحدث عبر الأيميل الذي يظل بعيدا عن أعين الرقباء؛ وتنتهي صلاحيته في حال عدم استخدامنا له لأكثر من شهر، لذا لا يظل هناك أي خطر للكشف عما فيه الا في حال معرفة كلمة الدخول واستخدامها بسهولة، أو اللجوء للهاكرز لاختراق الأيميل كما يحصل في بعض الأحيان؛ لذا تظل الأسرار مجهولة وتضيع في فضاء العالم الأفتراضي لا تجد من يكشف عنها، تماما كما لن تجد كل الخواطر والأفكار والملفات والبيانات الالكترونية من يرثها.

د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى