كوخ الساحرات

تثير الحكايات المروية عن الساحرات في العصور القديمة، فضولا لاكتشاف حقيقتهن، وإلى أي مدى كان لهن قدرات خارقة بالفعل، أو أن كل ذلك مجرد ادعاءات وأوهام، تم الحاقها بهن لأغراض سياسية أو دينية.

في خبر طريف ولا يخلو من الغرابة، حدث في شمال غرب انجلترا، تحديدا في منطقة “باندل هيل”، أنه خلال عمل احدى شركات المياه المحلية، تم اكتشاف بيت ريفي متكامل يعود للقرن السابع عشر، والبيت في حالة جيدة، وسرعان ما أدرك الذين اكتشفوه أنهم أمام اكتشاف غريب، وأن هذا المنزل الريفي كان ملكا لشخص يمتلك قدرات خارقة للعادة، وعثروا  داخل الكوخ على مومياء و قطة محنطة قيل أنه تم الاحتفاظ بها داخل جدار طيني مخفي عن الأعين، لابعاد الأرواح الشريرة عن الكوخ.

ومن المتداول في انجلترا أن منطقة “باندل هيل”، تُذكر بأشياء متعلقة بالتاريخ والفلكلور المحكي لقصص خرافية، وأساطير عن أعمال السحر والشعوذة. كل هذه العوامل تسببت في شهرة المنطقة، وتحويلها الى وجهة سياحية تحقق عائدا لابأس به للإقتصاد المحلي ؛ بل هناك دعابة مروية عن  تلك البلدة في وضع سكانها عبارة  تُحذر من الطيران على ارتفاع منخفض، وهذه عبارة ساخرة  سببها أن الساحرات الشريرات  دائما كن يصورن وهن يطرن على مكنسات يدوية.

ويُعتبر اكتشاف كوخ الساحرات في انجلترا حدثا في غاية الأهمية بالنسبة للمؤرخين الإنجليز،قارنه عالم الآثار “فرانس جاكو” ، باكتشاف مقبرة ” توت عنخ آمون” بالنسبة لمصر؛ إذ قبل  أربعمائة عام ؛ أي في ( القرن السابع عشر) كانت هذه البلدة  تشهد أحداثا مؤسفة ، فيما يتعلق بمحاكمة الساحرات، حيث أدت محاكمة الساحرات إلى شنق عشرة نساء. وكان سبب هذا أن  الفقراء من النسوة  يقمن بالتسول من السكان المحليين، وفي حال عدم دفعهم المال، كانت النسوة يرمونهن باللعنات، لذا ظل الناس يظنون أنهم في حال عدم الدفع ستصيبهم لعنة ما ؛ لأن هؤلاء المتسولات يمتلكن قدرات خارقة على ايقاع الأذى ؛ لكن مع مرور الزمن تأكدت براءة هؤلاء النسوة، وأن  جريمتهن الوحيدة  أنهن فقيرات جدا.

خلال العصور الوسطى  في أوروبا ،شاع اعتقاد  بين الأوروبيين عن  دور السحر في نشر الامراض والاوبئة والشرور؛وتم اعتبار الساحرات، وكل من يشتبه به في ممارسة أعمال السحر، أنه  مصدر شرولعنة ، لذا  أُحرقت الساحرات امام الملئ، وبالطبع كان هناك العديد من الابرياء الذين لقوا حتفهم بسبب تهمة السحر المنسوبة لهم ولهن زورا ؛  ففى ستراسبورغ عام 1582م تم إعدام  134 شخصا خلال أربعة أيام ؛ وفى برن, تم حرق 300 متهم في العشر سنين الأخيرة من القرن السادس عشر.  وفي ألمانيا, أحرقت الكنيسة مئات من النساء بتهمة ممارسة السحر.

والأمر المرعب أن رئيس أساقفه “ترير”, أمر بإعدام  120 متهما حرقا عام 1596م, بتهمة أنهم قد تسببوا في برودة الجو لمدة طويلة. وكان كل وباء يحل سواء على المواشي أو البشر يُتهم بالتسبب فيه مجموعة من البشر بحجة القيام بأعمال سحرية. ويقدر علماء التاريخ الألمان أن الذين تم إعدامهم بتهمة السحر والشعوذة في ألمانيا وحدها في القرن السابع عشر يبلغ مليون انسان برئ.

وبهدف اظهار نوع من الأسف على ما حدث في محرقة الساحرات،أقيم في بلدة “فاردو” في النرويج نصب تذكاري جديد لإحياء ذكرى ضحايا محاكمة وحرق الساحرات التي جرت في القرن السابع عشر؛ومن المعروف تاريخيا أن بلدة ” فاردو” شهدت أغلب وقائع حرق الساحرات. ويوجد في متحف “واحد وتسعين مصباحا” ، يحتوي على واحد وتسعين نافذة صغيرة؛ وذلك في إشارة إلى واحد وتسعين  شخصا أعدموا لإدانتهم بممارسة السحر بين عامي 1598 و1692، أغلبهم في “فاردو”.لكن هذا المتحف أصبح  جزءا من طريق سياحي طوله 154 كيلومترا على طول الساحل النرويجي.

  د. لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى