أسر إلكتروني
أظن أن الأمر فيه شيئ من الصحة، لأن الحديث عن ظاهرة إدمان الإنترنت، صار يتكرر بشكل ملحوظ، خاصة بين الشباب والمراهقين، فلم يعد الأمر مقتصرا على ساعات قليلة أمام شاشة الكمبيوتر، بل إن العلاقة مع هذا العالم السحري صارت تتضاعف يوما بعد يوم حتى تجاوزت عشر ساعات يوميا يمضيها الشباب على الشات، أو في المواقع الإجتماعية،ويزداد الأمر سوءً مع كل تسهيل جديد في استخدام التكنولوجيا. فالتواصل التكنولوجي حل مكان التواصل اليومي بين الناس، وصار من الأسهل القيام بالدردشة عبر الشات الذي بات سهلا سواء عبر الكمبيوتر المحمول، أو الهاتف، النقال، بل إنه بالنسبة للكثيرين، أسهل من التحور مع زميل، أو صديق قريب.
وفي دراسة أصدرتها حديثا جامعة كاليفورنيا، حول النساء والعلاقة مع الإنترنت، تبين أن ثلث النساء في مدينة سان فرانسيسكو بين سن 18 و 40 يمسكن الهاتف الجوال أو الكمبيوتر المحمول فور استيقاظهن من النوم، لمتابعة الأحداث عبر المواقع الاجتماعية فيسبوك أو تويتر، ثم بعد ذلك يذهبن إلى الحمام، أو ينظفن أسنانهن ليبدأن اليوم. لكن الأمر ليس بهذه البساطة لأن الدراسة تثبت أيضا أن هذا الإدمان يؤدي في كثير من الأحيان إلى إهمال الأسرة، والعلاقات الإجتماعية، وقد اعترفت إحدى السيدات المشاركة في الدراسة أنها تعاني من الهوس بشبكة الإنترنت إلى الحد أنها تستيقظ في نصف الليل لترد على الرسائل التي تتلقاها.
إن دخول المواقع الإجتماعية، في إيقاع الحياة اليومي، لم يعد أمرا عابرا، أو استثنائيا، بل يكاد يكون مقتحما لكل شئ، من أزمة العنوسة إلى القضايا الدينية. ولعل هذا التدخل الإلكتروني في حياتنا،جديد نسبيا على العائلة، إنه نوع من التدخل الذي يساهم في تشكيل الآراء، والمواقف الشخصية من الحياة، خاصة بالنسبة للشباب اليافع الذي يتكل على التكنولوجيا في كل شيئ،ومنها علاقاته الإجتماعية، وآراءه الخاصة. هذا يعني أننا لم نعد قادرين حقا على مراقبة أبناءنا كما في السابق، لم نعد نمتلك الوسيلة الكافية لمعرفة أصدقائهم، واكتشاف سلوكياتهم، والحسم في السماح لهم بالتواصل مع هذا، وقطع العلاقة مع ذاك. إن كل هذه السلوكيات صارت تنتمي لزمن سابق، وربما ينبغي علينا تطوير شكل آخر من العلاقة الأسرية، مع أولادنا وأخوتنا. علاقة يكون فيها أقل تأثير ممكن من الضرر التكنولجي، هذا أفضل من أن نفاجئ يوماً بظهور سلوكيات لم نساهم في تشكيلها في شخصيتهم، بل تكونت من علاقات مجهولة عبر الشبكة العنكبوتية.
د. لنا عبد الرحمن