علي بابا والأربعين حرامي

حقيقة الحكاية تبدو مختلفة قليلا عن الحكاية الشائعة، وإن لم تكن غير بعيدة تماما، فقد تم مؤخرا في تركيا العثور علي كنز “الأربعين حرامي” في إحدي القري بمحافظة “ماردين” التركية خلال عمليات الحفر لإنشاء خط صرف صحي جديد .. يقال إن الأسرار والحكايا الغامضة لابد أن يتم اكتشاف حقيقتها مع مرور الوقت، وهذا لا ينطبق علي القصص الخرافية فقط، بل علي الكثير من المعلومات والحقائق العلمية التي ظلت لوقت طويل رهينة السير الشعبية والروايات المنقولة عبر الأجيال، ثم في وقت ما يأتي بحث علمي، أو ظاهرة كونية لتبدد كل ما في الأذهان من وهم• فيما مضي كان البرق والرعد حدثاً مرعبا للإنسان لأنه مجهول، وكانت النجوم التي تنقسم هي أرواح تصعد أو صعدت إلي السماء، وكان القمر كوكب الأساطير التي لا تنتهي، كل ما في الطبيعة كان عظيما ومجهولا وكان من السهل نسج قصص خرافية حوله• لكن الآن تبددت كثير من تلك الخيالات بعد أن اقترب العلم منها وأماط اللثام عن حقيقة وجودها، لذا في بعض الأحيان تبدو الخرافة أجمل، لأن اكتشاف الحقيقة يقدم رؤية مختلفة تمامًا ؛ فمن ضمن الحكايات الأسطورية التي كبر عليها الأجيال حكاية “علي بابا والأربعين حرامي”، هذه الحكايا التي أظن أنها موجودة ليس في التاريخ العربي فقط، بل في حكايات كل المناطق المجاورة للمنطقة العربية في تركيا وبلاد فارس، بل ربما هذه الحكاية مستوحاة من أقاصيص تلك الشعوب، لكن علي أي حال فقد تم تحريف الحكاية وفق القالب العربي ليكون ” علي بابا ” تاجر من بغداد يقع ضحية الأربعين حرامي في مغارة “افتح يا سمسم” . هذه هي القصة وفق ما سمعناها من أمهاتنا وجداتنا، وما قرأناه في كتب الأطفال• لكن فجأة تظهر تفاصيل جديدة أكثر واقعية عن ” الأربعين حرامي ” ، وإن ظل علي بابا مجهولا حيث لم يتم ذكر أي شيء عنه في الاكتشافات الجديدة . حقيقة الحكاية تبدو مختلفة قليلا عن الحكاية الشائعة، وإن لم تكن غير بعيدة تماما، فقد تم مؤخرا في تركيا العثور علي كنز ” الأربعين حرامي” في إحدي القري بمحافظة “ماردين” التركية خلال عمليات الحفر لإنشاء خط صرف صحي جديد ، حيث تم إيجاد ثلاث فخارات مليئة بعملات الذهب و الفضة بالإضافة إلي أكسسوارات الزينة المرصعة بالذهب والبرونز، وقد أرجع الباحثون هذه العملات إلي عصور الإيلخانيين والسلاجقة والصفويين، وقالوا إنها الكنز الذي كان يجمعه من عرفوا في التاريخ باسم  “الأربعين حرامي “. الطريف في الأمر أن عدة أمور انكشفت بعد العثور علي هذا الكنز، منها أن أقرب قرية مجاورة للقرية التي تم العثور فيها علي كنز الأربعين حرامي اسمها “تشال حرامي” وهي كلمة كردية تعني “الأربعين حرامي”، وأن هذه المنطقة كانت معبر طرق الرحلات والقوافل لعدة عقود من الزمن، وهو ما يشير إلي أن اللصوص كانوا يسكنون قرية “تشال حرامي”، ويجمعون ما ينهبونه ويسرقونه من  قوافل المارة في مغارتهم  بتلك القرية .

أما كيف انتهي مصير كل تلك الأموال إلي أن تظل تحت التراب، فهذا ما يحكي عنه الاكتشاف، ويتركه لنا كي نؤلف حوله القصص . لقد أفسح هذا الكشف الجديد إعادة هذه الحكاية إلي المخيلة، وإن كان قد خفف أو يكاد يكون أزال ما فيها من تشويق ودهشة وغموض يتيح لنا التخيل ونسج تفاصيل ترتفع في خيالنا لتصير برجا من القصص المنسوجة من حكاية “علي بابا والأربعين حرامي” . الآن صرنا نعرف مكان الأربعين حرامي، وربما في وقت لاحق سنعرف أيضا ما هي حقيقة “علي بابا” معهم، ربما تأتي الحقيقة لتقول بأنه كان شريكا منشقا عنهم .

  د. لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى