حكايات من عالم الإنترنت

 

يشبه عالم الإنترنت الحكاية التي نسمعها في التراث عن رجل أرسل أولاده الثلاثة إلى المدينة، وعندما عادوا سألهم عما شاهدوه، فقال الأول : أبنية ومتاجر وزحام، وقال الثاني : جوامع كثيرة وأناس أتقياء يقصدونها للصلاة، وقال الثالث : المدينة كلها أماكن عربدة وسهر وخمر” فرد عليهم الأب بعبارته الشهيرة : ” كل شخص يرى ما يبحث عنه”.

 

(1)

إن عالم الإنترنت يشبه مدينة سحرية، لأنه  يحمل  من المفاجآت ما يفوق توقعاتنا. ففي هذا العالم المفتوح، لا نتحرك في مساحة جغرافية محددة، بل نكون منفتحين على العالم كله. يمكننا ملاحظة هذا  عبر تزايد  الإقبال على المواقع الإلكترونية، والمدونات، ومواقع الأفلام  والأغاني، وغير ذلك. أي أن  كل ما يبحث عنه المرء من الممكن أن يجده عبر شاشة الكمبيوتر الصغيرة.  لكن ماذا سيحصل لو اكتشف أحد الأشخاص وهو يتجول في عالم الإنترنت جريمة تتعلق  باحد يخصه.

في خبر طريف ورد عبر وكالات الأنباء أن مواطنا بريطانيا أصيب بالذهول الشديد بل بالفزع  وهو يشاهد مقطع فيديو تم بثه على الإنترنت على موقع “يوتيوب”، حيث تعرف الرجل  على ابنه وهو يحاول السرقة، ويعاونه شخص آخر، فقد قاما بتوقيف سيدة تحت تهديد السلاح امام ماكينة صرف آلي تخص أحد البنوك ، ولكنهما سرعان ما ذهبا خاليي الوفاض بعدما أبلغتهما المرأة أن شدة الرعب أنستها الرقم السري الذي تستخدمه في سحب الأموال. وتكمن المفاجأة في أن الأب أسرع بتسليم  ابنه الشاب إلى الشرطة.ولا نعرف إذا كان هذا التصرف من حسن حظ الأبن كي يرتدع عن فعلته ولا يقوم بتكرارها مع ضحايا آخرين.

 

(2)

لكن ليس كل ما يأتي به الإنترنت، على شبه حادثة الرجل الذي اكتشف ان ابنه سارق. فمن خلال الإنترنت أيضا تمكنت العجوز الجزائرية المعمرة رحمة من امتلاك مأوى آمن يحفظ كرامتها هي وابنها، ويرحمهما من وحشية الرصيف. حصل هذا  بفضل حملة قام بها متطوعين على الموقع الاجتماعي ”فيس بوك”. فقد ظلت هذه المرأة التي شارفت على دخول عامها المائة – تواجه شظف العيش بين حائطين جاد بهما أحد المواطنين بالمدينة، وقام الابن الوحيد المرافق لها بعد هجر الآخرين، بتغطيته من الأعلى بالخشب والبلاستيك، بينما ظل المكان مفتوحا في كافة جوانبه على نوائب الطبيعة والكلاب الضالة والعقارب. إلى أن دقت ساعة الفرج بتحرك أحد المواطنين، حيث  قام بتحريك حملة إنسانية عبر  ”الفيس بوك”، قادتها جماعة من المتطوعين يدعون ”جماعة ناس الخير”، حيث تمكنوا بعد جهد من إقناع الابن بنشر صور عن وضعيته والدته على الموقع. وفي أقل من أسبوع، تحركت السلطات لزيارة ”رحمة” من قبل الوالي ثم رئيس الدائرة، وأمرت بنقل العجوز إلى المستشفى لإجراء فحوص والتكفل بوضعها الصحي المتدهور. لكن هؤلاء المتطوعين لم يكتفوا بمحاولات إيصال حال تلك العجوز إلى السلطات، بل تكفلوا بجمع تبرعات لشراء شقة لها. لكن قبل أن يكتمل المشروع منحت السلطات رحمة  شقة في حي الوئام بمدينة الأغواط.  كما تم نقل العجوز إلى المستشفى لإجراء فحوص والتكفل بوضعها الصحي المتدهور.

 

(3)

“احذروا التدوين” عنوان تقرير موسع نشرته صحيفة ” نيويورك تايمز”  فيه تنبيهات عن عواقب النشر في المدونات، وما يمكن أن يجره التدوين على أصحابه، خاصة  اذا اختاروا التدوين وسيلة للتنفيس عن غضبهم. وحسب الصحيفة أن ما نظنه حرية وتعبيرا عن الرأي مهما كان، قد يعتبره القضاء إهانة أو تشهيراً أو تهديداً. وقد يكون مجرد تعليق عابر، مفتاح  البداية لسيل من التعليقات المسيئة، وأحيانا المغلوطة، مما قد يؤدي بالمدونبن والمعلقين أن يكون مصيرهم خلف القضبان.  فالإنترنت فتح أمام الشبان طرقاً شتى للتعبير عن آرائهم مهما بلغت حدة التطرف فيها، وبالتالي مع تزايد المدونات، وتزايد التعليقات ارتفعت أيضا  عدد  الدعاوى القضائية التي رفعها من يقولون إنهم تأذوا أو تعرضوا للتشهير أو التهديد بسبب ما قرأوه في المدونة.  وعلى الرغم من أنه يحق للمدونين التعبير بحرية على الانترنت، إلا أن هذا الحق لم يمنع المحاكم من مقاضاتهم، بسبب تعليقات حملت أحياناً تذييل «مجهول»، أو حتى توجيه اتهامات جنائية بحقهم!

ففي ولاية نيوجيرسي يواجه المدون الأمريكي اليميني هال تيرنر، عقوبة تصل إلى عشر سنوات سجناً، لتدوينه تعليقاً قال فيه إن ثلاثة قضاة من شيكاغو « يستحقون القتل » لرفضهم «التعديل الثاني» بحظر المسدسات في المدينة في 2009 وكانت النتيجة أن   لجنة المحلفين في نيويورك، أدانته بتهمة تهديد حياة القضاة.

وفي ولاية بنسلفانيا، أرغم أحد القضاة موقعا إلكترونيا اجتماعيا للكشف عن العناوين الالكترونية لأشخاص وضعوا تعليقات تصف مسؤولاً في البلدة بأنه «أحمق» وأنه يضع أموال الضرائب « في جيبه» ووصفوا السيارات التي يبيعها بأنها « خردة » ، ما دفع المسؤول إلى مقاضاتهم لترويجهم معلومات”مغلوطة” دمرت سمعته. لكن في المقابل ربما ما يجدر بنا التنبه له أن معظم المدونين لا يملكون أدنى فكرة عن المسؤولية التي يتحملونها عندما يضعون تعليقاً على الانترنت، أو أنهم  من الممكن أن يتعرضوا للمقاضاة بسبب تعليق، يعرضهم لدعوى قضائية تستمر لسنوات، وتكلف مبالغ طائلة.

 

(4)

أما على المستوى العربي، فقد انتشرت في السنوات الأخيرة العديد من محطات الإذاعة على الإنترنت تديرها مجموعات متحمسة من الشبان أو الشابات. ويرى خبراء إعلاميون في هذه التجارب ظاهرة إيجابية تكسر احتكار الإعلام الرسمي ؛ كما تسمح بفضاء واسع من الحريات، إلا أنهم حذروا من الفهم الخاطئ للحرية والذي قد ينقلب إلى فوضى وغوغائية. ومن أشهر هذه المحطات إذاعة “بنات وبس” التي تعتبر تجربة جديدة وفريدة كونها أول إذاعة “متخصصة” على الإنترنت في الوطن العربي، وتخاطب الفتيات على مختلف أعمارهن، وأطلق تلك الإذاعة 25 فتاة و5 شباب مصريين، وتعتمد على بث هموم الفتيات وقضاياهم التي تشغلهم ومحاولة معالجة هذه القضايا بزاوية اجتماعية ومن خلال رؤية “نسائية” محضة.

وتوضح أماني التونسي، المتخصصة فى علوم الحاسب والتي جاء تأسيس هذه الإذاعة بمبادرة منها، أن مادفعها لتأسيس الإذاعة إحساسها بالظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها المرأة، مشيرة إلى أن أبرز التحديات التي تواجهها الإذاعة بخلاف عقبة التمويل الاتهام بمهاجمة الرجال”.

ومن الأمثلة الناجحة أيضا  لراديو الإنترنت أو الراديو الإلكتروني راديو “حريتنا”، الذي بدأ بمستوى الهواة قبل أن يصل إلى مرحلة الاحترافية. وقام بإنشاء تلك المحطة عدة شبان تدربوا فى برنامج تدريبي للإذاعه البريطانيه BBC، وبعدها قاموا باستئجار شقة وخط فائق السرعه للبث، وحصلوا على الموافقات اللازمة أمنياً لعدم وجود تراخيص لـ”الراديو الإلكتروني” في العالم العربي. هناك  أيضاً ” إذاعة ضاد راديو” التي  اختارت هذا الاسم على حد قول مؤسسها أحمد بلال تأكيداً على اعتزازها باللغة العربية، لغة الضاد، التي توحد بين كل الشباب العربي، وذلك حسب شعارها الذي يقول “لا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا لسان الضاد يجمعنا”.

ويؤكد مدير الإذاعة أحمد بلال أن “ض” إذاعة شبابية منفتحة على الجميع، وتهدف في الأساس إلى تسليط الضوء على مشاكل الشباب، وتسعى للوصول إلى فريق عمل متكامل قادر على البث لمدة 24 ساعة في اليوم. ومثل كل هذه التجارب، سواء عبر التدوين، أو الإذاعة، أو الفيسبوك، وسائل للتعبير، مفتوحة وبلا حدود، لكن في مطلق الأحوال يبدو أن ما يجب التنبه له جيدا هو تحمل مسؤولية ما يُكتب  أو يبث على الانترنت  والتفكير جيدا قبل الضغط على  زر  الإرسال، أو العرض.

د. لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى