الناجي الوحيد..أميركا لا تعترف بالهزيمة
ثمّة رسائل سياسية في فيلم بيتر بيرغ الجديد «الناجي الوحيد- LONE SURVIVOR» تُعبِّر عن رؤية أميركا للحرب. الفيلم حاز على جائزة جمعية لاس فيغاس لنقّاد السينما كأفضل فيلم أكشن، وأفضل 10 أفلام لسنة 2013. مثل دور البطولة فيه كل من: مارك والبيرغ، تايلور كيتش، إميل هيرش، بن فوستر، وإريك بانا.
قصة الفيلم مستوحاة من حدث واقعي عن عملية «ريد وينغز» التي قام بها فريق من قوات البحرية الأميركية في أفغانستان عام 2005 للقبض على «أحمد شاه» أحد زعماء طالبان. وكما يَتَّضح من العنوان لا ينجو من هذه العملية إلا شخص واحد كان على شفير الموت، لكنه نجا ليحكي عما شاهده في أفغانستان. الناجي هو (ماركوس ويتلر)- وهو اسمه الحقيقي- الذي كتب ما حدث في عمل روائي اعتُبِر ضمن قائمة أفضل الكتب مبيعاً في «النيويورك تايمز».
منذ بداية الفيلم تتَّضح الرسالة الأولى التي أراد المخرج إيصالها: في الحرب الانحياز للمواقف الإنسانية سوف يكلِّفك حياتك لأن عدوَّك المتربِّص بك لن يكون إنسانياً ولن يرحمك. انطلاقاً من هذه الفكرة تتتالى أحداث الفيلم. يبدأ الحدث الرئيسي مع أربعة ضباط يتمّ إنزالهم على أحد الجبال في أفغانستان، لينفِّذوا العملية التي وضعها لهم قائدهم وهي (القبض على أحمد شاه)، ويَتَّضح- منذ البداية- صعوبة قيام أربعة محاربين فقط بمثل هذه المهمّة، خاصةً وأنهم يتوغَّلون في جبال وعرة يجهلون مساراتها، كما أن عددهم القليل لا يبدو متناسباً مع حجم المهمّة ولا مع عدد رجال طالبان الكُثر. وتكون اللحظة المحورية في الفيلم عند انكشاف أمرهم من طرف راعي أغنام عجوز برفقته غلام وطفل. يقبض المحاربون على الرجل العجوز وعلى من معه، ويدور حوار طويل بين العسكريين الأربعة حول ضرورة قتلهم أو تركهم أحياء، لكن قائد المجموعة يقرِّر إطلاق سراحهم لأنهم مدنيون. يسارع الغلام الذي تبدو في عينيه الكراهية للأميركان بإيصال الخبر لجماعة «طالبان» الذين يندفعون نحو الجبال لمهاجمة الأعداء، منذ هذا الحدث تبدأ معركة شرسة وطويلة تأخذ جزءاً كبيراً من أحداث الفيلم، وتكشف عن براعة التصوير ودقّته في حركة الكاميرا التي تركِّز على التفاصيل الدقيقة وعلى طبيعة الجغرافيا وأثرها على المحاربين الذين يقومون بهذه المهمّة الخاصّة بسبب جهلهم بالطرقات الجبلية، والأماكن التي تساعدهم على الاختباء، بل إن الفيلم يكشف أن للطبيعة دوراً أساسياً في الحرب، خاصة عندما تكون هناك مواجهة على الأرض بين فريق يعرف أين يضع قدمه في مسالك الجبال الوعرة، وآخر يتحرَّك وفق خرائط فقط.
الأفغان ليسوا كلّهم طالبان، بل هناك من يحبّ أميركا، ويقف معها ضدّ طالبان. يمكن القول أن هذه هي الرسالة الثانية التي تضمَّنها الفيلم. هذه الرسالة يمكن استنتاجها بعد أن ينجو المقاتل الأميركي الوحيد «ماركوس» من حرب الجبال، ويصل إلى أحد الأنهار، ويلقي بنفسه في النهر ليشرب وينظّف جلده المثخن بالجراح، في هذه اللحظة يظهر له رجل أفغاني مع طفل صغير، يمدّ الرجل يده ليساعد المقاتل على الوقوف، ثم يأخذه معه إلى قريته، ويقدِّم له الطعام، ثم يستبدل ثيابه العسكرية الملوَّثة بالدم بالزيّ الأفغاني، وحين يصل الخبر إلى طالبان ويهاجمون القرية للبحث عن المقاتل الأميركي، يتصدّى لهم- بالأسلحة- كل رجال القرية دفاعاً عن ضيفهم.
يظلّ الرجل الذي أنقذ المقاتل -على أهمّيّة دوره- من دون اسم، وكأن لا حاجة لتحديد اسمه لأن دلالة دوره تشكِّل رمزية العلاقة مع المجتمع الأفغاني من خارج طالبان، فالأفغان الذين لا ينتمون لهذه الجماعة يكرهونها، ويتحاربون معها.
يتعمَّد المخرج كشف صورة الأفغان المسلَّحين، فالقرية التي لجأ إليها (ماركوس- مارك ويلبيرغ) يستخدم رجالها البنادق للدفاع عنه وإنقاذه من موت حتميّ لحظة وقوعه تحت قبضة رجال طالبان. لكن، يحقّ لنا السؤال عن مدى صحّة هذا الافتراض؛ في كون كل قرية أفغانية تمتلك سلاحاً للدفاع عن نفسها ضدّ رجال طالبان؟ وفي الصورة المقابلة؛ إذا كان الشعب الأفغاني ضد طالبان عليه امتلاك السلاح- أيضاً- لمحاربة طالبان، وإن كان مع طالبان فمن البديهي أن يكون مسلّحاً ليحارب أميركا!. تبدو هذه المعادلة قاتمة جداً على المستوى الإنساني حيث لا يوجد من يرفض الحرب، أو ينبذها، الرافض للقتال هنا، سيتمّ سحقه من أحد الفريقين. ويظلّ السؤال الذي يلقيه (ماركوس) على منقذه الأفغاني «لماذا تساعدني؟» بلا أي إجابة، رغم تكراره عدّة مرّات؛ هذا السؤال يتركه المخرج مُعَلَّقاً دون إجابة واضحة.
ينتهي الفيلم مع جملة يقولها الناجي الوحيد (ماركوس) وهو على متن الطائرة الأميركية عائداً إلى بلاده، يقول: «أميركا لا تعترف أبداً بالهزيمة». وهنا من الممكن التوقُّف عند فكرة الاعتراف، مقارنة بالواقع، لأن عملية «ريد جينز» تفشل تماماً، حيث لم تتمكَّن الفرقة المكوَّنة من أربعة مقاتلين أن تقتل «أحمد شاه» رغم الاستماتة في القتال حتى آخر رمق، كما أن ثلاثة مقاتلين أميركيين أشدّاء يلاقون حتفهم على أرض الجبال الأفغانية، وينجو واحد منهم بالصدفة، إلا أن تفسير ماركوس للحرب ولكل ما حدث يخلو من فكرة الهزيمة.
افتقد الفيلم للحوار الإنساني العميق عن دلالات الحرب ونتائجها، ليس بسبب تسارُع الأحداث التي تركِّز على القتال فقط، بل لأن الفيلم يتبنّى وجهة نظر واحدة تتبنّى فكرة الحرب من دون التنويه إلى أن الحروب كلها في النتيجة لا منتصر فيها ولا مهزوم، لأن الجميع خاسرون.
الجدير بالذكر أن الفيلم خلا تماماً من أيّة بطولة نسائية، ويركِّز على مشاهد الحروب في جبال أفغانستان. المرأة في الفيلم تحضر مثل ذكرى جميلة تعكس واقع رغبة المقاتلين في العودة إلى وطنهم والزواج من حبيباتهم. ومن الواضح أن المخرج وكاتب السيناريو (بيتر بيرغ) ركَّز في معالجته السينمائية على فكرة الحرب، وعلى أن يكون عمله من أفلام «الأكشن»، وليس تجسيداً للدراما كما هي في القصة الحقيقية التي استوحى منها فيلمه.
لنا عبد الرحمن