فرقة ناجي عطالله
لعل العمل الدرامي الناجح يستمد نجاحه من قدرته على الحضور في ذهن المشاهد بعد مرور وقت على مشاهدته، ويتحقق هذا الأمر من توفر عنصرا دراميا أساسيا في العمل الناجح ألا وهو ” المحاكاة”. وفي العودة لمجمل الأعمال الدرامية التي حققت نجاحا جماهيريا وفنيا، سنجد أنها تمكنت من محاكاة شرائح من المجتمع، حيث وجد كل “فرد”، نفسه داخل الشاشة بشكل أو بآخر.عدا عن ذلك سيتمكن العمل الدرامي من الحضور في وسط سباق المسلسلات ليكون رقما ضمن الأرقام، والأعمال الدرامية الكثيرة التي تغرق شاشات الفضائيات، لكن لن يظل منه في الذهن سوى الاسم والإطار العام للحدث.
كان من الممكن لمسلسل ” فرقة ناجي عطالله” الذي قام ببطولته عادل إمام، ومن تأليف يوسف معاطي،وإخراج رامي إمام ، أن يكون عملا دراميا مميزا، لولا الكثير من الاستخفاف بذهن المشاهد، والتسطيح المبالغ به لحقائق بسيطة، لا يجدر معها إظهار جيل كامل من الشباب يغيب عنه الوعي الى هذا الحد ؛ وإذا كانت الفكرة الرئيسية في العمل تقوم على العلاقة بين العرب واسرائيل وهي فكرة بحد ذاتها كافية لجذب المشاهد، خاصة وأن تناول هذه العلاقة في المسلسل يأتي من جانب مغاير بعض الشيء لمسلسلات سابقة قدمت فيها هذه العلاقة وسلطت الضوء على الوجه الاسرائيلي من الداخل . لكن في مقابل الفكرة الرئيسية القوية في الظاهر، عيوب درامية أطاحت بالمضمون فجاءت النتيجة مشوهة.
البطل الرئيسي هنا هوعادل إمام، ويمكن القول أنه البطل المطلق، وهو يعمل دبلوماسيا في السفارة المصرية في اسرائيل، وكان عميدا سابقا بالجيش ؛ ويتم التحفظ على أمواله في بنك اسرائيلي كبير، لأسباب غير مفهومة تماما، وإثر ذلك يقرر عادل إمام أو ناجي عطالله أن ينتقم ويستعيد أمواله عبر السطو على البنك ، لذا يعود إلى القاهرة لتكوين فرقة من الشباب المصريين العاطلين عن العمل،وقد خدموا معه من قبل في الجيش ؛ ليساعدوه في إتمام مهمته. ويتخلل هذا الحدث الرئيسي تمرير أفكار عن العلاقة بين العرب واسرائيل، عن الحروب التي خاضتها مصر، وعن معاهدة السلام، والاجتياحات الاسرائيلية لغزة، ولبنان.
لكن المعالجة الدرامية لمثل هذه الأفكار ظلت تدور ضمن مزيج من الأكشن والفكاهة.هذان العنصرين اللذين اعتاد عليهما المشاهد حين يجمع العمل بين عادل إمام ويوسف معاطي. بالإضافة إلى هذا أن ” فرقة ناجي عطالله” لم ينج كعمل درامي من الشخصيات السابقة التي ظهر بها عادل إمام، ففي الوقت ذاته يذكرنا بشخصيتة في فيلم ” شمس الزناتي”، وأيضا شخصيته في مسلسل ” دموع في عيون وقحة”،كما يبدو فريق الشباب الذي معه يتشابه مع فيلم ” فيلم التجربة الدنماركية “، مع اختلاف المضمون، لكن الشخصيات الشبابية هنا تكاد تتطابق ؛ شاب يهتم بالطعام، وآخر بالرياضة، وثالث بالنساء، وتظهرالشخوص سطحية ومستخفة في معظم المواقف. كما لو أن نماذج الشباب المصري لا يخرج عن هذا الإطار، بل الأسوأ في ” فرقة ناجي عطالله” إظهار جميع شباب الفرقة بسطاء، جهلاء،لا يعرفون الفرق بين ” فتح” و ” حماس”، وأنهم جميعا يسعون للحصول على المال الذي سيحل كل مشاكلهم الحياتية – كما يتصورون – وارتضوا بهذه المغامرة الخطيرة ليحققوا طموحاتهم المادية؛ رغم محاولة مؤلف العمل التغطية على هذا الهدف بالتبرير أن البنك الذين ينوون سرقته موجود في ” تل أبيب” وأن ما سيقومون به أشبه بمهمة وطنية، لكن إحساس البطولة الزائف هذا لا يحضر حتى في أحلامهم بل نراهم يتمددون على الشاطئ وفي مخيلة كل منهم حلم يتركز في الطعام، أو النساء، أو المال. هذه هي النماذج التي تحيط بالبطل الأوحد ناجي عطالله حيث يغيب عن العمل كسائر أعمال عادل إمام أي بطل آخر يوازيه في الحضور الدرامي.
وإذا كان عادل إمام يمتلك قدرات تمثيلية كبيرة ، سواء في تعبيرات وجهه أو في حركاته الجسمانية تمكنه من أن يخطف الكاميرا بلا منازع، لكن هذه القدرات تتضاءل أمام إصراره على دور الزعيم والبطل، الذي لا يقهر. فأينما توجه ” ناجي عطاالله” نجده معروفا ومشهورا، يحترمه الناس ويوقرونه لأسباب مجهولة، وهو بالمقابل يغدق الأموال على الجميع، نراه يدفع عشرين ألف دولار، لصاحب النفق كي ينقله هو وفرقته من رفح المصرية، إلى رفح الفلسطينية ومنها الى غزة كي يتسلل هو وفرقته الى اسرائيل . وقبل هذا نراه يدفع مئات الجنيهات لوالدة أحد شهداء الشرطة، ورغم ما في الموقف الدرامي من إنسانية إلا أنه يظل خاليا من القدرة على الإقناع، بحقيقة الموقف، ولا تتوقف المغالطات في المسلسل على هذا التفصيل فقط، فهناك قضية الإنفاق التي يتم تهريب فرقة ناجي عطالله عبرها،فأين هي الأنفاق التي يتجاوز طولها 12 كيلو متر كما ورد في المسلسل؟ ولِماذا لم يتم تناول موضوع الأنفاق بشكل موضوعي ودرامي أعمق، خاصة وأن للأنفاق قضايا إشكالية كفيلة بأن تمنح أي محاولة جادة لمقاربتها فنيا عنصر التجديد في طرق موضوع غير مطروق من قبل، لكن كاتب السيناريو اكتفى بتناول الموضوع بسطحية تبتعد تماما عن أي عمق.
ولا أدري ،هل أراد المؤلف يوسف معاطي أن يقدم مسلسلا بوليسيا على طريقة أفلام الأكشن التي سبق وأن قدمها عادل امام ؟ أم أراد أن يُضحك المشاهدين علي جهل الممثلين حتي باللهجة الفلسطينية الغزاوية المفقودة في المسلسل كاملاً ولا تمت بصلة للهجة أهل غزة , فاللكنة التي تحدث بها أبطال المسلسل لفلسطينيي لبنان وليست لأهل غزة،كذلك صورت غزة وكأنها قرية أو نجع معزول عن الكرة الارضية ، ناهيك عن المشاهد المفتعلة والشعارات المصطنعة طوال الحلقات .
ورغم أن المسلسل لم ينتهي عرضه بل سيمط معنا الي نهاية رمضان ؛ كنت أتمنى أن يكون عملا أكثر جدية وأكثر اتقانا مما هو عليه ؛ وخاصة أن بطله عادل امام شخصية محبوبة عربيا ولها نجوميتها الخاصة ؛ وله تاريخه في عالم السينما والكوميديا خاصة .. كان من الممكن أن يقول المسلسل الكثير والكثير .
د. لنا عبد الرحمن