طريق الأوسكار .. بين التاريخ والسياسة والتضحية
ما من شك في أن الجوائز تضع النجم في مكانة مختلفة عما قبلها، فالجائزة تعني اعترافا معلنا بقدراته الفنية التي جعلته ينال تقديرا عنها. وكيف يكون الأمر حين تكون الجائزة هي ” الأوسكار” التي تشخص الأنظار نحو نتائجها كل عام، حيث تعلي من شأن نجوم، وتترك آخرين في مكانهم. فالبعض تجافيهم الأوسكار ولا تطرق بابهم رغم قدراتهم الفنية، في حين ينالها غيرهم أكثر من مرة، مما يستحق التعجب في كيفية اختيار لجنة التحكم للأسماء الفائزة.
وللمرة الثالثة- خلال رحلتها الفنية- تفوز ميريل ستريب بجائزة الأوسكار، وهذه المرة لبراعتها في القيام بدور رئيسة الوزراء البريطانية ” مارغريت تاتشر” في فيلم “المرأة الحديدية” ؛ وكانت قد حصلت على جائزتها الأولى كأفضل ممثلة قبل تسعة وعشرين عاما عن دورها في فيلم “خيار صوفي”. وجعل هذا الفوز ” ستريب” في صفوف أسماء حفرت اسمها في ذاكرة الفن السابع مثل : جاك نيكلسون وانجريد بيرغمان ووالتر بريمان، حيث فاز كل منهما بهذه الجائزة ثلاث مرات. وتبقى الممثلة “كاثرين هابيرن” هي الوحيدة حتى الآن التي فازت بالجائزة اربع مرات.
ولعل هذا الفوز الذي حققته ” ستريب” للمرة الثالثة يدفع للتساؤل عن السبب في أن بعض النجوم يكونون على بعد خطوات من الأوسكار ؛ لكنهم لا يحظون بها، فيما آخرين ينالون هذه الحظوة لأكثر من مرة خلال مسيرتهم الفنية. الفنان براد بيت مثلا ترشح أكثر من مرة للأوسكار، لكنه لم ينل أي حظ، كذلك ول سميث الذي رُشح مرتين للجائزة منها حين قدم شخصية الملاكم الشهير ” محمد علي كلاي”،لكنه لم يوفق أيضا؛ ويأتي الممثل المبدع “جوني ديب” صاحب الأدوار المميزة- ضمن القائمة التي لم يحالفها الحظ في نجومية الأوسكار حيث رُشح أكثر من مرة، وبلا نتيجة سوى شرف الترشح. هناك أيضا راسل كرو الذي لم ينل الأوسكار عن دوره في فيلمه المهم (beautiful mind ) لكنه نالها عن دوره في (Gladiator )، مع أن الفيلم الأول أكثر عمقا وبراعة في الإداء.
ووفق وجهة النظر النقدية السينمائية فإن ثمة معطيات تعزز فوز النجم بالأوسكار، منها تجسيد شخصية حقيقية ؛ فعندما يجسد الممثل شخصا حقيقيا، يمكن الحكم بشكل أفضل فالأداء يحظى بالاهتمام أكثر مع تجسيد شخصيات حقيقية بسبب سهولة تقييمه. ويستدل النقاد على هذا الكلام بأن خمس جوائز أوسكار نالها في العام الماضي ممثلين جسدوا شخصيات حقيقية، كما حدث مع الممثل “كولين فيرث” حين نال الجائزة لتجسيده دور جورج السادس في فيلم “خطاب الملك”. ومنذ عدة أعوام منحت جائزة الأوسكار إلى “فورست ويتيكر” لتجسيده الديكتاتور الأوغندي عيدي أمين في فيلم ملك اسكتلندا الأخير، أيضا “تشارلز وغتون” لتجسيده هنري الثامن في فيلم حياة هنري الثامن الخاصة بعد ذلك بثلاثة أعوام.
وتحظى الأدوار التي تجسد اعاقة ذهنية أو بدنية أو شخص يتعاطى الكحوليات باهتمام لجان التحكيم في الأوسكار، فقد حصل ممثلون جسدوا شخصيات تعاني من الإعاقة على 16% من جوائز الأوسكار،مقارنة بالممثلات (14 %).
أما بالنسبة للفنانات فالأدوار التي تؤدي فيها الممثلة دور أم عازبة نالت حظا كبيرا في الأوسكار، فعلى مدار الاعوام حصلت 23 % من الممثلات على جوائز الأوسكار لأدوار جسدن فيها أم تعيش منفصلة عن زوجها أو كأرملة. وكان من بين هؤلاء الممثلات “جوان كروفورد” لدورها في فيلم “ميلدريد بيرس” عام 1945 و”سالي فيلد” لدورها في فيلم “نورما راي” عام 1979 و”جوليا روبرتس” لدورها في فيلم “ايرين بروكوفيتش” عام 2000.
وانطلاقا مما سبق يتضح أن للجان تحكيم الأوسكار في اختياراتهم فنون، حيث لا يمكن تخمين من نصيب من ستكون الجائزة!
د. لنا عبد الرحمن