” آفاتار” وعرش السينما

بعد طول ابتعاد عن السينما  من قبل روادها بسبب شيوع الأفلام على أقراص (دي. في. دي) ،أو قرصنتها، أو لاقبالهم  على مشاهدة تلك الأفلام على القنوات المتخصصة، استعادت السينما  مكانتها  حين تم طرح لائحة طويلة  من أفلام البعد الثالث في دور العرض السينمائية. أما عن تقنية البعد  الثالث فمن الصعب  تبسيطها بعبارة معينة، من الممكن القول بأنها نوع من التجسيم للصورة بحيث تبدو كما لو أنها قريبة وحقيقية، هذا طبعا عبر الاستعانة بالنظارات الخاصة بالفيلم.

 

أفلام لا يمكن مشاهدتها إلا عبر الشاشة الكبيرة ، لائحة من الأفلام  تجعلنا نتوقف أمامها  كي نرى أن هذا الحدث غير عابر على الاطلاق ، وأنه سيغير تاريخ السينما، أو بعبارة أدق إنه  ثورتها الثالثة، هذا إذا ما اعتبرنا أنّ استعمال تقنيّة الصوت في الأفلام كان الثورة الأولى (1927)، واستعمال تقنيّة الألوان كان الثورة الثانية – ويبقى استعمال تقنيّة السينما-سكوب-  أو  تقنية البعد الثالث مجرّد تحديثات تكنولوجيّة لا أكثر.  لقد تزامن طرح هذه السلسلة  من الأفلام  الأميركية  التي ترتبط  جميعها بالخيال العلمي   وتحتاج لتكلفة مالية ضخمة جدا ، مع أزمة اقتصادية كبرى تعرض لها الإقتصاد الأميركي عام 2009، هكذا ستصير سينما البعد الثالث مرتبطة تاريخيا بحدث عالمي غير سار  سيظل له حضور قوي في الأذهان لسنوات قادمة. فالغريب في الأمر أنه رغم  الأزمة الاقتصادية إلا  أن  مراقبة بورصة  السينما تؤكد ارتفاع عدد رواد  الصالات المظلمة  الباحثون عن ساعتين من الخيال والإثارة، رغم ارتفاع  سعر التذكرة عن السعر المعتاد، من هنا ربما يبدو مبررا هذا الازدهار العكسي بين الاقتصاد والسينما، فكلما ازددات الأزمات  على الانسان، كلما بحث عن مهربا من واقعه الفعلي، وربما من هنا جاءت تسمية مدينة هوليود ب “مصنع الأحلام”.

لكن مما لا شك فيه أن هذه التقنية الحديثة ستعيد السينما إلى عرشها، حيث من المتعذر نسخ  أو قرصنة، أو بيع هذه النوعية من الأفلام، وهذه هي المعاناة الفعلية للسينما منذ سنوات، التي حرمتها من الحصول على ايرادات كبيرة.

اللافت للنظر أيضا أنه ليس هناك فيلم  من أفلام البعد الثالث خارج إطار الخيال العلمي والأكشن. أي  أن كل الأفلام المطروحة في الأسواق ليس فيها حكاية وأبطال واقعين، هناك اتكال كبير على تقنية الابهار التكنولوجي في التصوير، هذا الابهار يبدو متجاوزا  فكرة الحكاية  التي اعتاد عليها المشاهد، هنا الابهار هو البطل الفعلي، والصورة هي الجاذب  الأساسي للمشاهد. إنها نوعية مختلفة من السينما، نوعية لم نعتد عليها بعد،و كي نكون أكثر دقة في الحكم على السينما الجديدة  ينبغي علينا مشاهدة أنواعا مختلفة من أفلام البعد الثالث  يكون فيها حضور للبطل وللتقنية أيضا، بحيث لا  تبدو  التقنيات التكنولوجية هي المتحكمة في ذهن المشاهد في مقابل غياب الفكرة، غياب النص، والسيناريو المحكم، إذ مع مرور الوقت ستفقد هذه الخاصية قدرتها على الاستحواذ على اهتمام المشاهد الذي سيعتاد عليها وتصير حركتها مألوفة بالنسب له. هذا لا يعني ابدا التقليل من حجم الطفرة السينمائية  الحاصلة، لكن في الوقت عينه هناك أفلام  شارلي شابلن الصامتة، وأفلام بالأبيض والأسود، وأفلام كلاسيكية مازالت تعتبر من أهم الانجازات السينمائية منذ ظهور هذا الفن. بالنسبة لي شخصيا لم أستمتع  بهذه التقنية الجديدة إلا في الثلث الأول من الفيلم الذي شاهدته  وهو فيلم (افاتار)، فيما تلا  ذلك أحسست أني  آخذ جرعة مكثفة من الإبهار البصري على حساب غياب الفكرة الفذة حيث بدت الفكرة التي يطرحها الفيلم على جانب من السذاجة مقابل التفوق البصري الهائل للصورة.

يظل السؤال الأبرز الذي يتردد في ذهني  في  الحديث عن السينما الحديثة ،  هو  عن ما  مصير السينما العربية في  ظل هذه الثورة السينمائية العالمية، هل ستواكب السينما  العربية ما حدث من طفرة هائلة في سينما البعد الثالث؟ أم  أن هذه النوعية من الأفلام  ستظل مقتصرة على أفلام الأكشن والخيال العلمي، وسيحتفظ البطل بعرشه في السينما العادية  فقط، لكن في حال ظهور أفلام فيها حكاية وأبطال عاديين مع استخدام تقنية البعد الثالث_ وهذا وارد حدوثه قريباً_ فإن السينما العربية ستكون مهددة حتما  بأن تصير مثل سينما الأبيض  والأسود في مقابل الألوان.

د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى