مبالغات أولاد العم

 

تمنيت على المخرج شريف عرفه في فيلمه ” أولاد العم”  أن يكتفي بالتفاصيل الإنسانية التي ميزت فيلمه  في الجزء الأول منه، وأن لا ينزلق وراء مغامرات الأكشن التي ألقاها على عاتق الممثل كريم عبد العزيز، والتي أعادت إلى الأذهان على الفور مغامرات نادية الجندي في تل أبيب، وخروجها  منتصرة سالمة  غانمة لتعود إلى أرض مصر من دون أن تتعرض لخدش. أما   كريم عبد العزيز فنراه في أحد المشاهد يتعرض للتعذيب الكهربائي (بفولت عالي)، ثم بعد ذلك بساعة نراه قادرا على القيام بمهام سوبرمان في انقاذ البطلة (منى زكي). لا أعرف بماذا تنفع تلك المبالغات الرثة والمهلهلة التي تستخف بعقل المشاهد عبر استدعاء روح بطل ما، أي بطل ليحقق للجماهير( المشاهدين) أحلامهم المكتومة عن نصر  عربي حلموا به طويلا ، لكن المبالغات التي بدأت منذ لحظة دخول كريم عبد العزيز إلى إسرائيل لم تتوقف حتى نهاية الفيلم، وعودته إلى مصر، تلك المبالغات التي جعلت المشاهد متربص بانتظار النهاية ليقارنها مع تلك المتوقعة في ذهنه، وأظن أن هذا ليس في صالح أي فيلم.

يقوم شريف منير فإنه بدور الجاسوس دانيال، يعيش مع زوجته المصرية (منى زكي) في القاهرة على أنه عزت ومنذ المشاهد الأولى في الفيلم تنقلب  حياة الزوجة المصرية وطفليها حين يصارحها  عزت بأنه ضابط في الموساد واسمه دانيال، هذا المشهد الذي يتم في عرض البحر ويعقبه  خطف عزت أو دانيال لزوجته وطفليه يبدو أكثر المشاهد طبيعية وبساطة، وبعدا عن التلفيق، إذ  يبدو حدثا منطقيا من الممكن وقوعه فعلا، هناك أيضا المشاهد العائلية التي جمعت الأسرة والطفلين، بدت مرسومة بشكل مقنع، فيما عدا اقحام الجدل الديني بين مشهد وآخر.

ربما   لا يجدر بنا مشاهدة هذا الفيلم  أيضا  من دون التوقف عند الحوار بين الأبطال، وعند النظرة لإسرائيل سواء من النظرة العربية الموجودة في الفيلم، أو نظرة إسرائيل لنفسها، ونظرتها للعرب. فالحوار  كله أشبه بتصريحات سياسية، كليشيهات  نمطية معروفة، هناك مثلا الحوار بين شريف منير و كريم عبد العزيز بعد القاء القبض عليه في مبنى الموساد، حوار فيه شعارات كثيرة، وعبارات عن العلاقة مع الوطن. أو حين  تقول احدى النساء العاملات في الموساد بسخرية ” مصر دولة صديقة”، فيرد عليها  دانيال بأن  مصر أخطر دولة عربية على اسرائيل، أو  حديث دانيال عن ضرورة إغراق مصر في مشاكل حياتية كي تتلهى عن معركتها مع اسرائيل، هذا طبعا بالإضافة للمقارنة بين مصر واسرائيل  من حيث النظافة والنظام  والاهتمام بحقوق الإنسان، كما ترد عبر لسان الفنانة (انتصار) التي تؤدي دور يهودية شرقية عاشت في مصر، وهي الجارة الطيبة التي تتعرف عليها منى زكي فور وصولها، لكن الخطأ المهني الواضح في شخصية انتصار هو في كونها تجسد دور امرأة شابة عاشت في اسكندرية، ومن المعروف أن اليهود غادروا مصر من زمن يقارب 50 عاما، لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد كشف المخرج في نهاية الفيلم  أن  هذه الجارة أيضا ليست إلا ضابطة في  الموساد، وكان هذا أيضا أمرا متوقعا.

لم تكن  جدة الموضوع نسبياً، ولا  الأسلوب المشوق للمخرج شريف عرفه في فيلم “أولاد العم”  كافيين لعدم وقوع الفيلم في مطبات التقليد والتكرار والسذاجة. وإن كان هذا التقليد يتراوح ما بين حنكة “رأفت الهجان”، وإثارة أفلام ” نادية الجندي”، إلا أن تكرار دراما الجاسوسية وسذاجة المعالجة، أطاحت  بالإداء الجيد لأبطال فيلم “أولاد العم” الذي لم يأت بجديد سوى بفكرة التعايش بين المصريين والإسرائلين داخل تل أبيب، و زواج المصريين من إسرائيليات الذي مر عليه المخرج مرور الكرام في مشهد واحد،ثم  وضع اليهود الشرقيين في إسرائيل. لكن هذه الموضوعات أيضا غير كافية لتصنع فيلما جيدا، خاصة إذا كان يتناول الجاسوسية فإنه يحتاج لما هو أعمق من فكرة البطل المخلص.

د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى