الخلطة السرية…خلطة فوزية

تحتاج الحياة منا، إلى خلطة سرية في التعامل معها. خلطة تمكننا من تحقيق السلام الداخلي، والتوازن الذي نسعى إليه على مدار حياتنا، وللأسف لا يمكننا تحقيق هذا السلام لا بالمال، ولا بالجاه، أو الشهرة، بل بالرضى وطمأنينة النفس، لتكون هذه الطمأنينة محور التفاؤل بالغد، وبقدرتنا  على الإستمرار، رغم كل ما يحيط بنا من آلام وأحزان عقبات.  هذه هي الرسالة التي يقدمها فيلم ” خلطة فوزية”، الذي يؤكد أن ثمة نوع من الأفلام، يحتاج من مشاهده إلى توقف أمام كل تفصيلة من تفصيلاته، لأنه لا يمكن أن يلم  بأبعاد الفيلم في مشاهدة عابرة.

قصة الفيلم مأخوذة عن رواية للكاتبة المصرية هناء عطية، ويجمع الفيلم للمرة الثانية بين المخرج مجدي أحمد علي، والفنانة إلهام شاهين، بعد لقائهما الأول في  الفيلم المميز ” يا دنيا يا غرامي”.  يحكي ” خلطة فوزية”  كما يتضح من الإسم حكاية فوزية (إلهام شاهين) وخلطتها السرية، رؤيتها المتفائلة للدنيا التي تساعدها على تقبل حياتها الصعبة، وتربية أبنائها  في إحدى مناطق العشوائيات على أطراف القاهرة. لكن لا تكمن في هذا الحدث خلطة الفيلم، بل في  تركيبة شخصية فوزية  التي تتزوج أربع  مرات، وفي كل زيجة تفرض رغبتها بالطلاق ، لتعود وتتزوج من جديد. تتعامل فوزية مع الحياة بعفوية شديدة، وتأخذ كل ما في حياتها ببساطة، من دون الإكتراث بالغد، وما يحمله لها. والدليل على هذا أن فوزية  تُقدم على الزواج والطلاق بسهولة، ولا تتوقف عند المشاكل الإجتماعية التي ستعود عليها. لكن الفيلم عبر هذا  التصدير الذي يبدو بسيطاً في اللقطات الأولى، لا يلبث أن يأخذ المشاهد بخفة إلى مآسي عالم العشوائيات، والمشاكل الحياتية لهؤلاء الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر، ولا يملكون من مقدرات حياتهم حتى التحكم بيومهم  الحالي، لأنهم يعيشون في ما يشبه العشش، ويستخدمون حماماً عموميا. لذا يكون حلم فوزية الكبير أن يكون لها حمام خاص لها وحدها فقط، لا تتشارك فيه مع نساء الحي،بل يمكنها أن تتمتع فيه بالإستحمام بالماء الساخن، من دون خشية أحد، أو الإحساس بالإرتباك والخجل. هكذا تكون الأحلام شديدة البساطة، لكنها ليست في متناول اليد، بل  ومن العسير تحقيقها.

يركز ” خلطة فوزية” على معاناة النساء، خاصة مع التقدم في السن، الحوارات رغم أنها  تصدر عن  أشخاص بسطاء إلا أنها حافلة بالوعي الفطري، هناك الحوار بين إلهام شاهين، وأمها الفنانة عايدة رياض حين تشكو لابنتها  فوزية وحدتها من دون رجل طوال هذه السنوات، أما فوزية فتحكي عن خوفها من العمر والكبر، خاصة أن زوجها  الخامس والأخير ( فتحي عبد الوهاب) يصغرها بعدة أعوام، هناك أيضاً حديث فوزية عن العلاقة بين الرجل والمرأة، والأثر الذي تتركه عاطفة الحنان على كلا الطرفين. من هنا يمكننا التساؤل :أليست هذه المشاعر الإنسانية، مشتركة بين البشر جميعا، فقراء وأغنياء؟ ألسنا نخاف جميعاً من الزمن، من الشيخوخة والمرض، من الوحدة، والليل الطويل المعتم. من هنا  تبدو خلطة فوزية، مزيجاً جريئا من الكشف الباطني عن  اضطراب الغريزة،وصراعها الممتد مع كل الوقائع الحياتية الحتمية التي ترسم مسارات متنوعة في حيوات  الأفراد.

يتميز الفيلم أيضا بتقديم ديكور طبيعي، أي  أن أماكن التصوير كانت بيوتا حقيقية، كما أن اختيار المخرج مجدي أحمد علي لمناطق عشوائية حقيقية  ضاعف من خلق صورة رائعة انسجمت مع أحداث الفيلم. لكن تظل اللقطات العائلية،  التي تجمع فوزية مع أزواجها حول مائدة الطعام، من أكثر المشاهد ألفة وحميمية، هناك أيضا مشهد  فوزية وهي تمزج  أوراق الورد مع  مربى الفواكه، لتصنع مزيجها الخاص الذي يميز خلطتها عن خلطة سائر النساء.

  د. لنا عبد الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى