صاحبة ” تميمة العاشقات”:  خصامنا مع الطبيعة سر المأساة

تبحث الأديبة والناقدة، اللبنانية المولد المصرية الإقامة د. لنا عبد الرحمن عما تبوح به الأماكن، تبدو في رواياتها متقصية لنفوس قلقة تدور داخل أزمنة فاسدة مليئة بالحروب والصراعات، وتبحث عما تحمله الأمكنة من أسرار وعلامات، في روايتها التي صدرت حديثا “تميمة العاشقات” تتتبع سيرة ست سيدات من أزمنة وأمكنة مختلفة، لا تجمعهن فقط تلك التميمة التي بدا كأنها ميراث إنساني ممتد من زمن الكهف إلى زمن الآلة، بل تتشارك أرواحهم في ذات المساحة من الحب والألم كما تتشارك مصائرهم بين الحروب والمجاعات والأوبئة، عوالم تتصل خيوطها في رواية “تميمة العاشقات” داخل منطقة أثيرية، حيث “زينة” بطلة المستقبل تحاول أن تكتب روايتها بمساعدة إنسان آلى”روبوت”.

تروي صاحبة “ثلج القاهرة” و”أغنية لمارجريت” و”بودابار” وقيد الدرس” في روايتها الأخيرة عن سلسال من الجدات ممتد من “آلارا”الفرعونية إلى “ألارا الحسيني” ابنة الحاضر، لتنتقل بنا الخيوط بين مصر القديمة ومصر 2013، وبين “ميري مجيد” في جبال لبنان 1965، و”آني”الأرمنية في أذربيجان 1918، وبين “رحمة” في الموصل 1772 والجارية “سلاي” في أشبيليه 1230، بل أن كل تلك الشخصيات تتنقل بين أماكن شتى، وتختلط هوياتهم وأنسابهم، فكأننا نطلع على خريطة التيه التي عرفتها النساء كقدر لا يمكن الفكاك منه.  نسأل د. لنا في حوارنا معها :

تشاركت مع بطلة المستقبل “زينة” في جمع خيوط الحكايات الست وكأنها تنتمى لعالم واحد، وليست إلى عوالم مختلفة، هل ترين أن كل النساء في روايتك هن تحورات أو أشكال مختلفة من ذات واحدة؟

ربما تبدو التقاطعات التي شكلت عالم كل بطلة متشابهة، لكن رؤيتي للكتابة الروائية تنطلق من أن الرواية ليست مجرد حكاية أو حكايات متجاورة، الحكاية هي اللحم الذي يغطي العامود الفقري للنص، الوسيلة التي نود أن نوصل من خلالها رؤيتنا. ثمة ما يجمع ما بين بطلات “تميمة العاشقات” معا، إنها قضايا جوهرية حكمت حياتهن مثل : ” الفن والحرب والحب”، ورغم وجود هذه التقاطعات إلا أن لكل منهن عالم مستقل زمانيا ومكانيا ونفسيا، فيما يخص شخصية الفتاة المستقبلية “زينة”، التي تمثل الرابط بين كل الحكايات، فإن لها معاناتها وتأزماتها الخاصة مع فكرة الزمن والعاطفة، لو لاحظت أن سرد زينة كان الأكثر تكثيفا واختصارا، تتكلم بشكل سريع وموجز، وغير مسترسل، وهذا مقصود كي يقدم تجسيدا لزمنها الذي تبحث عن بديل له، وتحاول التجرد منه. وهكذا سائر بطلات الرواية، فكأن لكل شخصية مفتاحين أحدهما لا يمكن أن يفتح باب حكاية شخصية أخرى والآخر يمكنه فتح أبواب حكايات كل الشخصيات.

تنتصر الرواية للطبيعة، ويبدو كأن هناك نوعا من التمرد على المستقبل و”التكنولوجيا”، هل ترين، رغم كل الألم الذي واجهته نساء روايتك في أزمنة مختلفة، أن العودة إلى الماضي والانسجام مع الحياة البدائية هو الحل لكل مشكلات النساء، أو بالأحرى، لما تواجه الإنسانية؟

لنتفق على أن العودة إلى الماضي غير ممكنة، لكن ليس علينا نبذ الماضي والتجرد منه، بل النظر إليه ومعرفة ما يمكننا حمله معنا منه، ونحن نمضي إلى الأمام، الكون بأكمله يتكون من الطبيعة المجسدة في الضوء والصوت وتردد الموج والموسيقى المتفاعلة بين كل هذا على سطح الأرض، العلاقة بين هذه العناصر وتأثيرها وتفاعلها قديم منذ الأزل، لكن أظن أن مشكلة الانسان المعاصر الحالية والمستقبلية في انفصاله الكامل عن الطبيعة، بل وفي قيامه بايذائها، والمشكلة الأعمق أنه لا يعترف بذلك، ونتيجة عدم اعترافه تظهر كل أنواع الألام الجسدية والنفسية التي نسمع عنها يوميا، والتي عجز الطب الحديث عن ايجاد حلول جذرية لها. حسب ظني أن البشرية ككل وصلت إلى مأزق لا مفر منه، وخرج عن السيطرة.

المصائر التي صارت إليها كل شخصيات روايتك متشابهة، حب مستحيل قد يتحقق لتكتشف النساء إنه وهم، أو حب حقيقي ينتهي بالموت أو الكراهية، ثم نهايات في أزمنة الحروب أو الأوبئة، إننا أمام خريطة تيه لا مفر منها، هل هذه هي رؤيتك لوضع النساء عبر العصور؟

أظن أن الأمر يتعلق دائما بوجود نوعين من النساء كما يخيل لي، نوع متماهي مع الدور الذي يطلبه منه المجتمع، بل ويكون ملكيا أكثر من الملك، ونوع يمشي عكس التيار في اختياراته، أرى أن هذا مطروح في كل الأزمنة والعصور. إن خريطة التيه الموجودة في ” تميمة العاشقات” هي سلسلة ممتدة بين النساء عبر الأجيال، المرأة في كل حكاية تحاول أن تفهم ذاتها وتقدم رؤيتها للعالم عبر اختيارها لمصيرها الخاص غير المتشابه.

روايتك يمكن اعتبارها رواية معنية بعوالم النساء الخاصة ومشاعرهم وأحلامهم ووضعهم في هذا الكون عبر تقلباته، هناك نوع من التحفظ على مصطلح أدب نسائي أو أدب المرأة، كثير من المبدعات المعاصرات يحاولن الفرار من هذا المصطلح الذي يراه البعض يجمع الأديبات في سلة واحدة، ويخلق نوعا من التمايز بين ما يكتبه الرجل وما تكتبه المرأة..ما تعليقك على هذا؟

في حقيقة الأمر لا أفكر كثيرا في التصنيفات، ليس لدي أي تعمد لكتابة أدب ينتمي إلى نوع معين،ما يشغلني في الكتابة القدرة على صياغة الفكرة في أسلوب فني معبر عن الصدق الإنساني، هنا أخذتني أيضا فكرة الهوية والزمن والجذور الإنسانية وتشظي ماضي الانسان ومستقبله، وأرى أن المرأة بكل الأعباء الملقاة عليها عبر التاريخ، وبوصفها الرحم الحامل لكل الأجناس، تمكنت من حمل هذا السلسال “الجيني” الثقيل والمتداخل منذ العصور السحيقة، أظن أن هذا الأرث العتيق ظل ممتدا من زمن ما قبل التاريخ، إلى زمن “زينة” المستقبلي.

سمر نور

جريدة الأخبار

 

زر الذهاب إلى الأعلى